قال الحكيم: لو أن لصا طالب جاه ومنصب استدعاه الملأ من قومه،
وعرضوا عليه أموالهم وما اشتهاه من منصب وجاه من غير تعب منه ولا نصب، فأعرض عن
ذلك، وقال: أنا لا أريد أن آخذ أموالكم إلا بالتعب والنصب، ولن أتأمر عليكم إلا
بعد أن يشتعل رأسي شيبا، وتشتعل حياتي ألما وتعبا وهما وغما.
قال جيري: مجنون من يقول هذا.. ولا أظن أن هناك لصا في الدنيا
يعرض عن الفريسة السهلة ليقع على الفريسة الشديدة.. إن الأسود مع بهيميتها وصغر
عقولها لا تفعل ذلك.
قال الحكيم: فهل ترى محمدا صاحب عقل وحكمة، أم أنك تراه أضعف
عقلا من الأسود وسائر الوحوش؟
قال جيري: بل أرى عقله قد اجتمعت فيه العقول، ولكنه راح يستغله
في الحيلة ليقتنص من المال والجاه ما لم يحلم به أبوه وجده.
قال الحكيم: لقد روى المؤرخون الذين تستند إليهم أن محمدا قد
عرض عليه في بداية حياته الدعوية ـ أي في نواحي الأربعين ـ كل ما يشتهي من جاه
ومال ومنصب.. ولكنه أعرض عن ذلك..
سكت قليلا، ثم قال: سأحدثك حديث ذلك.. فلعله لم يبلغك.
لقد روى المؤرخون بأسانيد كثيرة[1] أن قريشا اجتمعت يوما بعد أن رأت
أن الإسلام لا تزيده الأيام إلا قوة، فقالوا: انظروا أعلمكم بالسحر والكهانة
والشعر فليأت هذا الرجل الذي فرق جماعتنا شتت أمرنا وعاب ديننا، فليكلمه ولينظر
ماذا يرد عليه، فقالوا: ما نعلم أحدا غير
[1] رواه ابن أبي شيبة وعبد
بن حميد وأبو يعلى والحاكم وصححه عن جابر بن عبد الله والبيهقي وابن عساكر.