صدغيه الشيب، وجاءكم بما جاءكم قلتم: ساحراً! لا والله ما هو
بساحر، لقد رأينا السحرة ونفثهم وعقدهم، وقلتم: كاهن! لا والله ما هو بكاهن، قد
رأينا الكهنة وحالهم، وسمعنا سجعهم، وقلتم: شاعر! لا والله ما هو بشاعر، لقد رأينا
الشعر، وسمعنا أصنافه كلها هزجه ورجزه وقريضه، وقلتم: مجنون! لا والله ما هو
بمجنون، لقد رأينا الجنون، فما هو بخنقه ولا وسوسته ولا تخليطه، ثم قال لهم، يا معشر
قريش، انظروا فى شأنكم، فإنه والله لقد نزل بكم أمر عظيم)، فهذا كلام النضر بن
الحارث الذى كان شيطاناً من شياطين قريش، وممن كان يؤذى رسول الله a، وينصب له العداوة.. وهكذا قال
سائر أعدائه كالوليد بن المغيرة وعتبة بن ربيعة وغيرهما.
ولم تكن هذه الشهادة خاصة بحياتة a بعد البعثة، بل إنه قبل البعثة
اشتهر باسم الصادق الأمين، وقد ذكر شريكه في التجارة السائب المخزومي كيف كان a، فقال ـ بعد أن لقيه يوم الفتح ـ:(مرحبا
بأخي وشريكي لا تداري ولا تماري)[1]، وفي لفظ أنه قال للنبي a:(كنت شريكي في الجاهلية فكنت خير
شريك لا تداري ولا تماري)
ولما قامت قريش ببناء الكعبة قبل بعثة محمد a تنازعوا في رفع الحجر الأسود إلى
مكانه، واتفقوا على تحكيم أول من يدخل عليهم الباب، فكان أول داخل رسول الله a ففرحوا جميعا، وقالوا: جاء الأمين،
جاء محمد. وقد كانوا يلقبونه بلقب الأمين؛ لما يعلمونه من أمانته a.
التفت الحكيم إلى فرانكلين، وقال: ومما يدخل في هذا الباب إيمان
من حاربوه من قبل واحداً فواحداً، طوعاً لا إكراهاً.. ذلك لأنهم ما كانوا يشكون في
أن محمداً صادق، ولكن فاجأهم بشيء لم يسمعوا به هم ولا آباؤهم فأنكروه، حتى إذا
ذهب هول المفاجأة وحكّموا