قال: قد أخبرتك بأن الله تعالى جعل من حكمته اختبار عباده بمثل هذه
الفتن.. ألم تسمع قوله تعالى لرسول الله a في أمر زينب بنت جحش، فقد قال له
معاتبا:﴿ وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ
اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ
اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ
وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً
زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ
أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ
مَفْعُولاً ﴾ (الأحزاب:37).. أتدري لم خشي رسول
الله a؟
قلت: لقد خشي على أن يفتن قومه، فيقولوا: تزوج ببنت متبناه.
قال: ولكن الله تعالى نهاه أن يخضع لتلك المخاوف.. لأن الله تعالى
هو واضع الأسئلة.. وليس على رسول الله a إلا البلاغ.
قلت: لقد وعيت هذا.. فبورك فيك.. ولكن ألا يستطيع هؤلاء المحجوبون
بهذه الفتن أن يحتجوا يوم القيامة في محكمة العدل التي لا تضيع مثاقيل الذر؟
قال: فما يقولون؟
قلت: يقولون: يا ربنا.. لو أن نبيك لم يتزوج تسعة نساء.. ولم يغز
بضعا وعشرين غزوة.. لكنا اتبعناه.
قال: فهل ترى في هذا حجة؟
قلت: هم يتصورون بينهم وبين أنفسهم أن في ذلك حجة.
قال: ليس الشأن في تصوراتهم.. بل الشأن في الحقيقة.. فالمتهم قد يرى
نفسه بريئا.. ولكن الحقائق والبينات التي لدى القاضي هي التي تحدد البريء من
المجرم.
قلت: فهل على هؤلاء أن يسحبوا اتهاماتهم حتى يتبصروا الحقائق؟