النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه
الخلاء، وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه ـ وهو التعبد ـ الليالى ذوات العدد، قبل
أن ينزع إلى أهله ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها، حتى جاءه الحق،
وهو فى غار حراء، فجاءه الملك، فقال: اقرأ. قال: ما أنا بقارئ. قال: فأخذنى فغطنى[1]حتى بلغ منى الجهد، ثم أرسلنى فقال:
اقرأ. قلت: ما أنا بقارئ. فأخذنى فغطنى الثانية حتى بلغ منى الجهد، ثم أرسلنى
فقال: اقرأ. فقلت: ما أنا بقارئ فأخذنى فغطنى الثالثة، ثم أرسلنى فقال:﴿
اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2)
اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ
الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)﴾ (العلق)، فرجع بها رسول الله a يرجف فؤاده.
التفت الحكيم إلى فرانكلين، وقال: إن هذا النص مليء بالشهادات
الدالة على صدق محمد a..
قال فرانكلين: أنا لا أرى فيه أي شيء مما تدعي.
قال الحكيم: سننطلق من المسلمات التي أثبتناها.. والتي دلت
عليها كل الأدلة: رجل في مثل سن محمد.. في الأربعين من عمره.. كان مشهورا بالصفاء
والطهارة والصدق والترفع إلى درجة لا يمكن تصور مداها.. هذا الرجل يأتي فجأة، ومن
دون أي مقدمات يرتجف، ويحكي لهم ما حصل له، ويقرأ عليهم من الكلام الغريب ما قيل
له، وهو لا يدعي في ذلك شيئا.. بل يأتي خائفا وجلا..
قال فرانكلين: قد يكون ذلك مجرد تمثيلية.
قال الحكيم: لو فعل ما فعل بولس لكان ذلك مجرد تمثيلية لا شك
أنك تعلم ما فعل بولس.. ولا شك أنك تعلم ما ادعاه.. ولا شك أنك تعلم أثر كل تلك
الدعاوى التي ادعاها.
[1] الغط: العصر الشديد، والكبس،
ومنه الغط فى الماء، الغوص. النهاية: 3/335.