سكت فرانكلين، فقال الحكيم: لو كان محمد مدعيا لمثل هذه
المسرحية أمام قومه، لا أمام زوجته.. ولو كان مدعيا لكان له في الكلام الذي حرره
باعتباره وحيا لله من أهواء البشرية ما فيه..
لقد زعم بولس أنه رأى المسيح بعد رفعه بسنوات، بينما هو ذاهب
إلى دمشق في مهمة لرؤساء الكهنة تجلى له المسيح دون القافلة التي كان يسير
معها، وفي ذلك التجلي منحه منصب الرسالة.. وكان مما قاله له بعد عتابه عما فعله
بأتباعه من اضطهاد:(ولكن قم وقف على رجليك لأني لهذا ظهرت لك لأنتخبك خادما وشاهدا
بما رأيت وبما سأظهر لك به منقذا إياك من الشعب ومن الأمم الذين أنا الآن أرسلك
إليهم لتفتح عيونهم كي يرجعوا من ظلمات إلى نور ومن سلطان الشيطان إلى الله حتى
ينالوا بالإيمان بي غفران الخطايا ونصيبا مع المقدسين) (اعمال 26/16-18).. وهذا الكلام هو نفس ما قال السامري حين
قال:﴿ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا
بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ
سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي (طه: 96)
أما محمد a ففي أول وحي يوحى إليه أمر بالقراءة.. وبالقراءة باسم الله..
هذا أول الوحي، وليس فيه أي ذكر لمحمد، ولا للمناصب الرفيعة التي هيئت لمحمد a.
ليس هذا فقط ما أريد أن أستشهد به.. لقد بقيت هذه الظاهرة
الغريبة ثلاثا وعشرين سنة.. فهل يمكن لكاذب محتال أن يمارس كذبه واحتياله طول هذه
المدة من غير أن يكشف؟
لقد وصف أصحابه ما كان يحصل له عند الوحي، وهي ظواهر غريبة لا
عهد للبشر العاديين بمثلها، وهي ظواهر لم يكن يملك محمد a لها جلبا، ولا دفعا.
بالإضافة إلى هذا كله، فقد كان a حين ينزل عليه القرآن في أول عهده
بالوحي يتلقفه متعجلا ،فيحرك به لسانه وشفتيه طلبا لحفظه، وخشية ضياعه من صدره،
ولم يكن ذلك معروفا من عادته في تحضير كلامه، لا قبل دعواه النبوة ولا بعدها، ولا
كان ذلك من عادة العرب، إنما كانوا يزورون كلامهم في أنفسهم، فلو كان القرآن
منبجسا من معين نفسه لجرى على سنة