كلامه وكلامهم ولكان له من الروية والأناة الصامتة ما يكفل له
حاجته ؛ من إنضاج الرأي ، وتمحيص الفكرة، ولكنه كان يرى نفسه أمام تعليم يفاجئه
وقتيا ويلم به سريعا، بحيث لا تجدي الروية شيئا في اجتلابه لو طلب، ولا في تداركه
واستذكاره لو ضاع منه شيء، وكان عليه أن يعيد كل ما يلقى إليه حرفيا، فكان لابد له
في أول عهده بتلك الحال الجديدة التي لم يألفها من نفسه، أن يكون شديد الحرص على
المتابعة الحرفية، حتى ضمن الله له حفظه وبيانه بقوله:﴿ لا تُحَرِّكْ بِهِ
لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ﴾
(القيامة:16)، وقوله:﴿ وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ
يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً﴾ (طـه:114)
التفت الحكيم إلى فرانكلين، وقال: أليس يكفي للحكم ببراءة
الإنسان من عمل من الأعمال أن يقوم من الطبيعة شاهد بعجزه المادي عن إنتاج ذلك
العمل؟
تأخر الوحي:
لم يجد فرانكلين ما يجيب به إلا أنه قال: كيف تعتبر تأخر ما
تسميه بالوحي دليلا على صدق الوحي.. ألا يكون محمد هو الذي تسبب في تأخره.. أو أن
قريحته لم تسمح له بالتأليف في ذلك الوقت؟
قال الحكيم: يمكنك أن تزعم أي شيء، ولكن الذي استطاع أن يحتال
على العالم أجمع، بل استطاع أن يحتال على الله نفسه، فيزعم أنه يوحى إليه لن يعجز
أن يضع لنفسه ما يخرجه من أي مأزق قد يقع فيه.. سأذكر لك أمثلة على بعض المواقف
الحرجة التي كان فيها رسول الله a أحوج ما يكون إلى الوحي، ولكن الوحي تأخر عنه.
من ذلك ما حدث به ابن عباس قال: بعثت قريش النضر بن الحارث ،
وعقبة بن أبي معيط إلى أحبار يهود بالمدينة ، فقالوا لهم:سلوهم عن محمد ، وصفوا
لهما صفته ، وأخبروهم بقوله ؛ فإنهم أهل الكتاب الأول ، وعندهم ما ليس عندنا من
علم الأنبياء، فخرجا حتى أتيا المدينة فسألوا أحبار يهود عن رسول الله a، ووصفوا لهم أمره وبعض قوله وقالا:
إنكم أهل