قال الحكيم: في أول دعوة رسول الله a، وبعد أن أحس المشركون خطرها عرض
الملأ من قريش عروضا كثيرة على رسول الله a، وكلها تيسر عليه ـ في ظاهرها
النجاج فيما يصبو إليه من مكاسب دون بذل جهد كبير.. ولكن النبي a أعرض عنها، وظل مع أسلوبه الذي
أمره الله به.. وهو أسلوب ممتلئ بالكد والجهد والشدة، ولو كان محتالا مخادعا كما
تتصور لقبل ما عرض عليه من حلول، ثم احتال عليهم بعد ذلك بما طبع عليه من حيلة
ليحولهم إلى طريقه واحدا واحدا.
سأضرب لك مثالا على ذلك ذكره العلماء عند تفسير (سورة
الكافرون).. ذكر ابن عباس أن قريشاً دعت رسول الله a إلى أن يعطوه مالاً فيكون أغنى رجل
بمكة ويزوّجوه ما أراد من النساء، فقالوا: هذا لك يا محمد وكف عن شتم آلهتنا ولا
تذكر آلهتنا بسوء، فإن لم تفعل فإنا نعرض عليك خصلة واحدة ولك فيها صلاح، قال: ما
هي؟ قالوا: تعبد آلهتنا سنة ونعبد إلهك سنة، فقال a:(حتى أنظر ما يأتيني من ربي)، فجاء
الوحي من عند الله:﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا
تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ
مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ
وَلِيَ دِينِ (6)﴾ (الكافرون)، وأنزل الله:﴿ قُلْ أَفَغَيْرَ
اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ (64) وَلَقَدْ أُوحِيَ
إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ
عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ
مِنَ الشَّاكِرِينَ (66)﴾ (الزمر)[1]
وفي حديث آخر عن سعيد بن ميناء مولى أبي البختري قال: لقي
الوليد بن المغيرة