النبى، كأمية بن أبى الصلت[1]، شاعر الطائف، وهى بلدة بحذاء مكة،
يكتفون بوحدانية عامة، كان محمد يأخذ بأسباب التحنث والتنسك، ويسترسل فى تأملاته
حول خلاصة الروحى، ليالى بطولها فى غار حراء قرب مكة، لقد تحقق عنده أن عقيدة
مواطنيه الوثنية فاسدة فارغة، فكان يضج فى نفسه هذا السؤال، إلى متى يمدهم الله فى
ضلالهم، مادام هو عز وجل قد تجلى، آخر الأمر، للشعوب الأخرى بواسطة أنبيائه؟ وهكذا
نضجت فى نفسه الفكرة أنه مدعو إلى أداء هذه الرسالة، رسالة النبوة، ولكن حياءه
الفطرى حال بينه وبين إعلان نبوته فترة غير قصيرة، ولم تتبد شكوكه إلا بعد أن خضع
لإحدى الخبرات الخارقة فى غار حراء، ذلك بأن طائفاً تجلى له هنالك يوماً، هو الملك
جبريل، على ما تمثله محمد فى ما بعد، فأوحى إليه أن الله قد اختاره لهداية الأمة،
وآمنت زوجه فى الحال برسالته المقدسة، وتحرر هو نفسه من آخر شكوكه بعد أن تكررت
الحالات التى ناداه فيها الصوت الإلهى وتكاثرت، ولم تكد هذه الحالات تنقضى حتى
أعلن ما ظن أنه قد سمعه كوحى من عند الله) [2]
ابتسم الحكيم، وقال: إن ما ذكره هذا المؤرخ لا يختلف كثيرا عما
رمى به القرشيون محمدا a.. فقد اعتبروا النبى a رجلاً ذا خيال واسع وإحساس عميق،
فهو إذن شاعر، ثم زادوا فجعلوا وجدانه يطغى كثيراً على حواسه، حتى يخيل إليه أنه
يرى ويسمع شخصاً يكلمه؛ وما ذاك الذى يراه ويسمعه إلا صورة أخليته ووجد آناته، فهو
إذن الجنون أو أضغاث الأحلام.
قال جيري فاينز: إن ما تقوله لا يزيد ما قاله بروكلمان وإخوانه
المستشرقون إلا تأكيدا.
قال الحكيم: إن هذا الاعتراض يمكن أن يوجه لأي نبي من الأنبياء
الذي تؤمن بنبوتهم.. فموسى u كان رجلا يحلم بإنقاذ قومه.. فلذلك تخيل
ذلك الوحي.. ثم انطلق منه
[1] هو أمية بن عبد الله بن
أبى الصلت بن أبى ربيعة بن عوف الثقفى، شاعر جاهلى من أهل الطائف، فى شعره حكم،
اطلع على الكتب القديمة، وقد لقى النبى a، ولم يؤمن به، مات سنة 5هـ على
خلاف فى ذلك.