هذا كله، على أن ابن شهاب الزهرى كان يحدث بالحديثين معاً، كما
روى عنه غير واحد مما سبق بيانه، وأن الصواب فى رواية حديث عائشة بدون تلك
الزيادة، كما أخرجه مسلم، والبخارى فى بعض مواضعه، وغيرهما.
قال جيري فاينز: فلنسلم بما ذكرت من حديث الزهري، فهو تابعي قد
لا يكون الحديث بلغه بصورة صحيحة.. فما تقول فيما روى عن ابن عباس من قوله:(مكث
النبى a أياماً
بعد مجئ الوحى لا يرى جبريل، فحزن حزناً شديداً حتى كان يغدو إلى ثبير مرة، وإلى
حراء أخرى، يريد أن يلقى نفسه)
قال الحكيم: هذا الحديث غير مسلم تاريخيا مثل ذاك.
قال جيري فاينز: أتشكك في كون ابن عباس صحابيا؟.. لو سمعك
الغلاة في الصحابة لطعنوك بسيوفهم.
قال الحكيم: أنا لا أشكك في صحبة ابن عباس، فهو حبر هذه الأمة
وعالمها، ولكني أشكك فيمن روى عن ابن عباس.. فالحديث الذي ذكرته من رواية الواقدى[1]، وهو معروف بالضعف، لا يقبل
الجهابذة من المحدثين روايته إلا إذا اعتضدت بروايات الثقات.
قال جيري فاينز: فلنسلم بما ذكرت من ضعف الرواية عن ابن عباس،
ولكن ما تقول في القرآن.. وما تقول في هذه الآية التي تخبر عن محاولة محمد
الانتحار بسبب تكذيب قومه له.. لقد جاء فيها:﴿ لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ
أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾
(الشعراء:3)، وفي آية أخرى:﴿ فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى
آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً﴾ (الكهف:6)؟
ابتسم الحكيم، وقال: هاتان الآيتان لا تشيران أبداً إلى معنى
الانتحار، بل هما تعبير أدبي
[1] هو: محمد بن عمر بن
واقد الواقدى، قاضى العراق، رغم دقته فى المغازى وإمامته فيها إلا أنهم ضعفوه فى
الحديث، قال الذهبى: الواقدى وإن كان لا نزاع فى ضعفه، فهو صادق اللسان، كبير
القدر، وقال: ابن حجر: متروك مع سعة علمه، من أشهر مؤلفاته: المغازى، والردة، مات
سنة 207هـ له ترجمة فى: لسان الميزان 9/531.