ومن أحب بسبب فبالضرورة يبغض لضده، وهذان متلازمان لا ينفصل
أحدهما عن الآخر، وهو مطرد في الحب والبغض في العادات)
فالحب والبغض شعوران كل منهما يتطلب الآخر، فكل من أحب لا بد أن
يبغض ما يتضاد مع حبه، وكل من أبغض لا بد أن يحب ما يتضاد مع بغضه.
وهذان الشعوران الدفينان في سويداء الصدور يترشحان (بظهور أفعال
المحبـين والمبغضين في المقاربة والمباعدة وفي المخالطة والموافقة فإذا ظهر في
الفعل سمي موالاة ومعاداة)
ولهذا جمع القرآن الكريم بين الأمر بموالاة المؤمنين مع الأمر
بعدم موالاة أعدائهم، فلا يمكن للقلب أن يجمع بين الحبين، حب الحبيب وحب عدوه، قال
تعالى:﴿ لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ
الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا
أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى
اللَّهِ الْمَصِيرُ﴾ (آل عمران:28)
فالآية الكريمة تنفي أي مكانة لمن يوالي الكافرين دون المؤمنين،
وتعقب ذلك بالتحذير الشديد الذي يدل على خطر موالاة أعداء الله.
بل إن القرآن الكريم يجعل مولى القوم منهم، فمولى اليهود
والنصارى لا يختلف عن اليهود والنصارى، قال تعالى:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ
أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ
اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ (المائدة:51)
قال نيقتاس: فهاهو البغض إذن أصل من أصول دينكم، فكيف تزعم أنه
لا مكان للبغض فيه؟
قال الحكيم: أرأيت لو أن الله ابتلاك بداء منفر.. نفرت نفسك
منه.. أو نفرت نفوس الناس منه.. هل تراك تحب ذلك الداء؟
قال نيقتاس: ليس هناك من يحب أي داء منفرا كان أو غير منفر.