قال الحكيم: ولكنك لا تبغض جسدك الذي حل به هذا الداء؟
قال نيقتاس: لولا حبي له ما أبغضت الداء الذي أصابه.. بل إني..
وأقولها بكل صراحة.. أفرح بكل داء يصيب أعدائي.. بل إني أمتلئ بحب ذلك الداء الذي
أصابهم.. ولو أن في إمكاني أن أقدم جائرة له لفعلت.
قال الحكيم: فبغض المسلمين وحبهم من هذا الباب.. فهم لا يبغضون
المرء لذاته، وإنما يبغضونه لأجل الله.. ولهذا قال a:(ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان:
أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن
يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه، كما يكره أن يوقد له نار فيقذف
فيها)[1]
فقد أخبر a أن أساس الحب وسببه هو حب الله.. وهو فوق ذلك حب في الله.
وهكذا ما سميناه بغضا.. فهو لله لا لأي اعتبار آخر.
قال نيقتاس: فما معنى كونه لله؟
قال الحكيم: أي أنه بغض غير ناشئ عن حقد، ولا عن مصالح شخصية،
وإنما هو بغض مرتبط بطاعة الله ومعصيته.. ولذلك فإن المؤمن سرعان ما يمتلئ محبة
لهذا الذي أبغضه في الله إن هو تخلص من انحرافه.
بل هو في أثناء بغضه له في الله يحبه كل المحبة.
قال نيقتاس: أنت تكاد تخبلني بقولك هذا.
قال الحكيم: أرأيت الأب الذي يحزن لمرض ولده.. وهو في نفس الوقت
يمتلئ بغضا لذلك الداء الذي أصابه.. هل يمكن أن يكون هذا الأب حقودا على ولده؟
قال نيقتاس: يستحيل ذلك.. بل إن حزنه دليل على محبته.