قال الحكيم: ما دمت وعيت هذا.. فاسمع ما يقول الله تعالى مخبرا
عما كان يملأ النبي a
نحو الذين واجهوه بالمحاربة، قال تعالى:﴿ فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ
عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً﴾ (الكهف:6)، وقال تعالى:﴿ لَعَلَّكَ
بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ (الشعراء:3).. أتدري ما معنى (باخع)؟
قال نيقتاس: أعرف أنها (قاتل)
قال الحكيم: فقد كاد الحزن يقتل النبي a على أعدائه.. ولهذا نهي عن ذلك،
قال تعالى:﴿ أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ
اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ
عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾ (فاطر:8)
التفت الحكيم إلى نيقتاس، وقال: هل ترى رجلا مثل هذا يمكن أن
يحمل البغض الذي يحمله الحاقدون؟
قال نيقتاس: ولكن ما علاقة ذلك كله بالانفتاح الديني الذي
تزعمه؟
قال الحكيم: هذا هو أساس الانفتاح وقلبه ومحركه.. فالانفتاح ليس
صورة أو طلاء، وإنما هو حقائق تملأ النفوس طهرا، والسلوك أدبا.
ولهذا، فإن المسلم ـ خارج الإطار الديني المحض ـ مطالب بالإحسان
والأدب مع كل الناس مسلمهم وكافرهم، لقد قال الله تعالى يحث على رعاية الوالدين
الكافرين والإحسان إليهما:﴿ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا
لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا
مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ
فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ (لقمان:15)
ففي هذه الآية نهي المسلمون أن يطيعوا آباءهم فيما يأمرونهم به
من الكفر، ولكنهم نهوا في نفس الوقت أن يسيئوا إليهم أو يقصروا في الإحسان إليهم.