امتلأ بات روبرتسون ضحكا، ثم قال: وهل رأيت رحيما يعذب؟
قال الحكيم: أرأيت لو أن أحدهم أراد أن يضرب ما تعارف عليه
الناس من قوانين الأكل والشرب عرض الحائط.. فراح يأكل المعادن والزجاج.. وراح يشرب
أنواع السوائل التي لا تنسجم مع جسم الإنسان.
قال بات روبرتسون: فمصير هذا الموت المؤكد.
قال الحكيم: فإن ظفر بطبيب حكيم أجرى له عملية جراحية تطهر بطنه
من الأوزار التي سببها له فمه.. هل تعتبر ذلك الطبيب قاسيا بإجرائه لتلك العملية؟
قال بات روبرتسون: كلا.. بل هو طبيب رحيم أنقذه من الموت
المؤكد؟
قال الحكيم: فهذا هو تصورنا نحن المسلمين لإلهنا، فهو إن عاقب
لا يعاقب طلبا للعقوبة.. وإنما يعاقب من منطلق الرحمة[1].. إن قرآننا يقول:﴿
وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ (لأعراف:156)
ولهذا يربط القرآن الكريم بين ملك الله الذي يعني تدبير الله
للأشياء وبين رحمته تعالى،
[1] ولهذا يرد في القرآن
الكريم ارتباط العذاب باسم الرحمن.. كما قال تعالى على لسان إبراهيم u:﴿ يَا أَبَتِ إِنِّي
أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ
وَلِيّاً﴾ (مريم:45)
فقد ذكر إبراهيم u الرحمن، ولم يقل الجبار ولا القهار، للدلالة على أن العذاب
لا يتنافى مع الرحمة الإلهية، كما لا يتنافى الكي أو الحقنة أو الدواء المر إذا
وضعت في مواضعها التي تقتضيها حكمة الجسم مع رحمة الطبيب.
ولذلك قال تعالى: ﴿ أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ
بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ﴾
(يّـس:23)، فقد نسب إرادة الضر إلى الرحمن ليدل على أن هذا الضرر في حقيقته رحمة،
اقتضاه التدبير الإلهي.