وحدث آخر قال: قدمت على عهد رسول الله a سابع سبعة، أو تاسع تسعة، فأذن
لنا، فدخلنا، فقلنا: يا رسول الله أتيناك لتدعو لنا بخير، فدعا لنا بخير، وأمر بنا
فأنزلنا، وأمر لنا بشئ من تمر والشان إذ ذاك دون، فلبثنا بها أياما شهدنا بها
الجمعة مع النبي a،
فقام متوكئا على قوس أو عصا، فحمد الله، وأثنى عليه كلمات خفيفات طيبات مباركات،
ثم قال:(أيها الناس إنكم لن تطيقوا، ولن تفعلوا، كل ما أمرتم ولكن سددوا وأبشروا)[3]
ولهذا كان a يتشدد مع المتشددين، بل يخبر بهلاكهم في تشددهم، قال a:(هلك المتنطعون[4]، قالها ثلاثاً[5].
وشبه a هؤلاء المتنطعين المتشددين بالمنبت[6]، فقال:(إن هذا الدين متين فأوغلوا
فيه برفق، فان المنبت لا أرضا قطع ولاظهرا أبقى)[7]
وبما أن الحماسة كانت تتقد في قلوب بعض أصحابه a، فتدفعهم إلى المبالغة في الأعمال
والتشدد فيها حرصا على مرضاة الله تعالى، فقد كان النبي a يصحح لهم ذلك، ويأمرهم بالتوسط
والاعتدال، ويخبرهم بأن الله يحب أن تؤتى رخصه بقدر ما يحب أن تؤتى
[6] يقال للرجل إذا انقطع
به في سفره وعطبت راحلته: قد انبت، من البت: القطع، وهو مطاوع بت يقال: بته وأبته.
(النهاية: 1/92)
[7] رواه البزار، وفي رواية
عن عبد الله بن عمرو قال a:( إن هذا الدين متين، فأوغلوا فيه برفق، ولا تبغضوا إلى
أنفسكم عبادة الله، فان المنبت لا بلغ بعدا، ولا أبقى ظهرا، واعمل عمل امرئ يظن أن
لا يموت إلا هرما، واحذر حذر امرئ يحسب أنه يموت غدا) رواها ابن عساكر.