فقد علمت قريش، ومعها كل من كان يتربص بالمسلمين الدوائر أن
للمسلمين من اليقظة ما يجعل أعداءهم أبعد الناس عن الطمع فيهم.
وبعد سرية عبد الله بن جحش ـ على الخصوص ـ تحقق خوف المشركين
وتجسد أمامهم الخطر الحقيقي، ووقعوا فيما كانوا يخشون الوقوع فيه، وعلموا أن
المدينة في غاية من التيقظ والتربص، تترقب كل حركة من حركاتهم التجارية، وأن
المسلمين يستطيعون أن يزحفوا إلى ثلاثمائة ميل تقريباً، ثم يقلتوا ويأسروا رجالهم،
ويأخذوا أموالهم، ويرجعوا سالمين غانمين، وشعر هؤلاء المشركون بأن تجارتهم إلى
الشام أمام خطر دائم، لكنهم بدل أن يفيقوا عن غيهم، ويأخذوا طريق الصلاح والموادعة
ـ كما فعلت جهينة وبنو ضمرة ـ ازدادوا حقداً وعيظاً، وصمم صناديدهم وكبراؤهم على
ما كانوا يوعدون ويهددون به من قبل من إبادة المسلمين في عقر دارهم.
وفي تلك الأيام الشديدة التي قرر فيها الأعداء هذه القرارات
الخطيرة خرج حكم الجهاد من الإذن الذي يدل على الإباحة إلى الوجوب الذي يجعله لا
يختلف عن الصلاة وغيرها من شعائر الدين..
هنا انتفض دوج، وقال: أرأيتم.. ها هو محمد يحول الإرهاب إلى ركن
من أركان الدين كالصلاة.
قال الحكيم: وهل يمكن لشخص من الناس أن يقيم الصلاة، وهو لا
يأمن على نفسه وأهله ودينه.. إن المسلم عندما يحمل سيفه ليجاهد به يحمله لأشرف غرض
يمكن أن يحمل من أجله سيف.
إنه يحمله من أجل حماية التوجه لله بالعبودية.. حتى لا تتسلط
الشياطين على هذه الأرض، ليحولوها ماخورا من مواخير الرذيلة.