قال دوج: ألا ترون إلى هذا الرجل كيف يتناقض فيما بينه وبين
نفسه.. لقد زعم الساعة بأن محمدا لم يتميز في شيء عن أصحابه.. ولكنا نراه هنا
يتميز بذلك العريش الذي خص به من دونهم.. فهم يخوضون المعركة بينما هو في عريشه.
قال الحكيم: لا ينبغي أن يتكلم في مثل هذه المسائل إلا من لهم
علاقة بالقيادة والمعارك..
قال دوج: وهل لك علاقة بذلك؟
قال الحكيم: لا أزعم لنفسي ذلك.. ولكني أعلم أني إذا ما رأيت
رأسي معرضا للأذى حميته بيدي.. فتجرح دونه.
قال دوج: كلنا نفعل ذلك.. فما فيه مما نحن فيه؟
قال الحكيم: إن القائد في المعركة هو رأس الجيش المفكر والمدبر
والمنظم والآمر والناهي.. بالحفاظ عليه يحفظ الجيش، وبالتفريط فيه يتضرر جميع
الجيش.. ولهذا قبل النبي a بالعريش.. وهو لم يقترحه ابتداء.. ولكنه رأى المصلحة فيه.
وهي مصلحة لا ترتبط بشخصه.. بل لا ترتبط بذلك الجيش فقط.. بل
ترتبط بالدعوة الإسلامية جميعا.. ولذلك عمد المشركون في غزوة أحد إلى بث إشاعة
مقتل رسول الله a
ليؤثروا في أصحابة.
سكت قليلا، ثم قال: سأقص عليك من واقع هذه الغزوة ما قد يدلك
على العاطفة العظيمة التي كانت تربط هذا القائد العظيم بجنده:
كان a في بدر يعدل الصفوف، ويقوم بتسويتها، وكان بيده سهم لا ريش له
يعدل به الصف، فرأى رجلاً، وقد خرج من الصف، فطعنه a في بطنه، وقال له:(استوِ يا سواد)
فقال: يا رسول الله أوجعتني، وقد بعثك الله بالحق والعدل فأقدني، فكشف رسول الله a عن بطنه