في المدينة، وقال:(إنا في جنة حصينة)، فإن رأيتم أن تقيموا
وتدعوهم حيث نزلوا، فإن أقاموا أقاموا بشر مقام، وإن دخلوا علينا قاتلناهم فيها،
وكان رأي عبد الله بن أبي ابن سلول مع رأي رسول الله a إلا أن رجالاً من المسلمين ممن كان
فاته بدر، قالوا: يا رسول الله، اخرج بنا إلى أعدائنا.
قال ابن إسحاق: فلم يزل الناس برسول الله a الذي كان من أمرهم حب لقاء القوم،
حتى دخل رسول الله a
بيته، فلبس لأمته، فتلاوم القوم فقالوا: عرض نبي الله a بأمر وعرضتم بغيره، فاذهب يا حمزة
فقل لنبي الله a:
(أمرنا لأمرك تبع) فأتى حمزة فقال له: (يا نبي الله إن القوم تلاوموا، فقالوا:
أمرنا لأمرك تبع)، فقال رسول الله a: (إنه ليس لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يقاتل)
قال دوج: كيف يفعل محمد هذا.. ألم يكن له من الحكمة ما يجعله
يعمل رأيه ما دام قد أرى بأنه الصواب؟
قال الحكيم: لقد أراد رسول الله a من هذا أمرين:
الأول: أن يعلمنا أن المستشير ينبغي أن يحترم رأي من يستشيره،
فيعمله إذا اقتضى المقام ذلك.
والثاني: أن رسول الله a عندما عزم على الخروج بسبب
إلحاحهم، ثم عادوا فاعتذروا إليه، أراد أن يعلمهم درسًا آخر ـ هو من أهم صفات
القيادة الناجحة ـ وهو عدم التردد بعد العزيمة والشروع في التنفيذ، لأن من آثار
ذلك أنه ييزعزع الثقة بها ويغرس الفوضى بين الأتباع.
سكت الحكيم، فقالت الجماعة: ثم ماذا؟
قال الحكيم: لقد اشتد رسول الله a في تلك الأيام في التجهير للقتال
وحراسة المدينة.. فصار كل واحد من الصحابة يصحب سلاحه ولا يفارقه، حتى عند نومه،
وأمر a بحراسة
المدينة، واختار خمسين من أشداء المسلمين ومحاربيهم.