وقد اختار رسول الله a لخروجه الوقت المناسب، فقد تحرك بعد منتصف الليل، حيث يكون
الجو هادئًا، والحركة قليلة، وفي هذا الوقت بالذات يكون الأعداء، غالبا، في نوم
عميق لأن الإعياء ومشقة السفر قد أخذا منهم مجهودًا كبيرًا.
ثم إنه a اختار الطريق المناسب الذي يسلكه حتى يصل إلى أرض المعركة،
وذكر صفة ينبغي أن تتوافر في هذا الطريق وهي السرية، حتى لا يرى الأعداء جيش
المسلمين، فقال a
لأصحابه: (من رجل يخرج بنا على القوم من طريق لا يمر بنا عليهم؟)، فأبدى أبو خيثمة
استعداده قائلا: أنا يا رسول الله، فنفذ به في حرة بني حارثة وبين أموالهم، حتى
سلك به في مال لربعي بن قيظي، وكان رجلاً منافقًا ضرير البصر، فلما أحس برسول الله
a ومن
معه من المسلمين، قام يحثو في وجوههم التراب، وهو يقول: إن كنت رسول الله فلا أحل
لك أن تدخل حائطي، وقد ذكر أنه أخذ حفنة من تراب بيده، ثم قال: والله لو أعلم أني
لا أصيب بها غيرك يا محمد، لضربت بها وجهك، فابتدره القوم ليقتلوه، فقال لهم: لا
تقتلوه، فهذا الأعمى أعمى القلب أعمى البصر، وقد بدر إليه سعد بن زيد أخو بني الأشهل
قبل نهي رسول الله a
عنه، فضربه بالقوس في رأسه فشجه.
قال رجل من الجمع: إن جسارة رجل في هذا الموقف الشديد على سب
محمد.. وترك محمد له من غير عقوبة.. لا يدل إلا على حلم عظيم، وسعة لا يمكن أن
تكون في صدر إرهابي أو مستبد.
قال
الحكيم: لم
يكتف المنافقون بذلك فقط.. بل إنهم ـ كموقفهم في جميع الغزوات ـ لم يكن لهم دور
إلا التثبيط، ومع ذلك فإن النبي a لم يمس أحدا منهم بسوء.
في ذلك اليوم الشديد..وعندما وصل جيش المسلمين الشواط ـ وهو اسم
بستان بين المدينة وأحد ـ انسحب ابن سلول بثلاثمائة من المنافقين، وهم ثلث الجيش،
بحجة أنه لن يقع قتال مع المشركين، ومعترضًا على قرار القتال خارج المدينة قائلا:
(أطاع الولدان ومن لا رأي