لقد رأى خالد، وكان قائد ميمنة المشركين خلو ظهر المسلمين من
الرماة، فكرَّ عليهم من خلفهم، فما شعر المسلمون إلا والسيوف تناوشهم من هنا
وهناك، فاضطرب حبلهم، واختلفوا فرقا بحسب ما لكل منهم من نضج في الإيمان والسلوك،
فقد كانت هذه الغزوة ـ بتقدير الله محكا لذلك ـ:
فمنهم طائفة لم تهمها إلا نفسها، حيث أخذت طريق الفرار، وتركت
ساحة القتال، وهي لا تدري ماذا وراءها، وفر من هذه الطائفة بعضهم إلى المدينة حتى
دخلها، وانطلق بعضهم إلى ما فوق الجبل.
ومنهم طائفة اختلطت بالمشركين، والتبس العسكران فلم يتميزا،
فوقع القتل في المسلمين بعضهم من بعض.. وهذه الطائفة حدث داخل صفوفها ارتباك شديد،
وعمتها الفوضي، وتاه منها الكثيرون؛لا يدرون أين يتوجهون، وبينما هم كذلك إذ سمعوا
صائحاً يصيح: إن محمداً قد قتل، فطارت بقية صوابهم، وانهارت الروح المعنوية أو
كادت تنهار في نفوس كثير من أفرادها، فتوقف من توقف منهم عن القتال، وألقي بأسلحته
مستكيناً، وفكر آخرون في الاتصال بعبد الله بن أبي ـ رأس المنافقين ـ ليأخذ لهم الأمان
من أبي سفيان.
قال دوج، والفرح باد على وجهه: هكذا تكون الهزيمة، وإلا فلا.
قال الحكيم: بل هكذا يكون النصر، وإلا فلا.
قال دوج: ماذا تقصد؟
قال الحكيم: عندما انتصر المسلمون في بدر ظهر كثير من
المغرضين.. لاشك أنك تعرفهم.. فإن لم تكن تعرفهم فإن أصحاب المبادئ من رؤساء
الأحزاب يعرفونهم.
فقد يبدأ رئيس الحزب حزبه بطائفة من المبادئ الفاضلة، فلا
يستجيب له إلا نفر قليل، فإذا ما أرى المغرضون نجاحه في بعض الانتخابات انضموا
إليه بما نفوسهم من أغراض خسيسة قد تسيء إلى المبادئ التي انطلق منها ذلك الزعيم.