بعد هذه المواقف النبيلة من الجرحى والشهداء أشرف رسول الله a على الشهداء فقال: (أنا شهيد
على هؤلاء، إنه ما من جريح يُجْرَح في الله إلا والله يبعثه يوم القيامة، يَدْمَي
جُرْحُه، اللون لون الدم، والريح ريح المِسْك)
سكت قليلا، ثم قال: بعد كل هذه المواقف النبيلة انصرف رسول
الله a راجعاً
إلى المدينة، وفي الطريق مر بامرأة من بني دينار، وقد أصيب زوجها وأخوها وأبوها
بأحد، فلما نعوا لها قالت: فما فعل رسول الله a ؟ قالوا: خيراً يا أم فلان، هو
بحمد الله كما تحبين، قالت: أرونيه حتى أنظر إليه، فأشير إليها حتى إذا رأته
قالت: كل مصيبة بعدك جَلَلٌ.
وجاءت إليه أم سعد بن معاذ تعدو، وسعد آخذ بلجام فرسه، فقال:
يا رسول الله، أمي، فقال: (مرحباً بها)، ووقف لها، فلما دنت عزاها بابنها
عمرو بن معاذ، فقالت: أما إذ رأيتك سالماً فقد اشتويت المصيبة ـ أي استقللتها ـ
ثم دعا لأهل من قتل بأحد، وقال: (يا أم سعد، أبشري وبشري أهلهم أن قتلاهم
ترافقوا في الجنة جميعاً، وقد شفعوا في أهلهم جميعاً). قالت: رضينا يا رسول
الله، ومن يبكي عليهم بعد هذا؟ ثم قالت: يا رسول الله، ادع لمن خلفوا منهم،
فقال: (اللهم أذهب حزن قلوبهم، واجبر مصيبتهم، وأحسن الخَلفَ على من خُلِّفُوا)
وعندما عاد رسول الله a في مساء ذلك اليوم إلى أهله ناول
سيفه ابنته فاطمة، فقال: (اغسلي عن هذا دمه يا بنية، فوالله لقد صدقني
اليوم)، وناولها على بن أبي طالب سيفه، فقال: وهذا أيضاً فاغسلي عنه دمه،
فوالله لقد صدقني اليوم، فقال رسول الله a : (لئن كنت صدقت القتال، لقد
صدق معك سهل بن حُنَيف[1] وأبو دُجَانة)
[1] هو من كبار الصحابة
المغمورين، وقد أجمعت الأمة على جلالته وصحبته، وممّا كتبه الإمام الرضا للمأمون في
محض الإسلام، وشرائع الدين: والذين مضوا على منهاج نبيّهم a، ولم يغيّروا ولم يبدلوا، مثل: سلمان الفارسي، وأبي ذر الغفاري، والمقداد
بن الأسود، وعمار بن ياسر، وحذيفة بن اليمان، وأبي الهيثم بن التيهان، وسهل بن حنيف..
(عيون أخبار الرضا، باب 35، ج2، ص134)