أشار الحكيم إلى سيف آخر، وقال: لعل هذا السيف يشير إلى بعث
الرجيع .. لا أظن إلا أنه يشير إليه.. إن هذا البعث دليل على الخيار الصعب الذي
اختاره رسول الله a..
لقد كان بين قوم لا يرعون حرمة، ولا يوفون بعهد.. بل يستعملون
كل الوسائل لتحقيق المآرب التي يصبون إليها.
في شهر صفر من السنة الرابعة من الهجرة قدم على رسول الله a قوم من عَضَل وقَارَة، وذكروا أن فيهم
إسلاماً، وسألوا أن يبعث معهم من يعلمهم الدين، ويقرئهم القرآن، فبعث معهم نفرا من
أصحابه[1]، وأمر عليهم مَرْثَد بن أبي
مَرْثَد الغَنَوِي أو عاصم بن ثابت، فذهبوا معهم، فلما كانوا بالرجيع[2] غدروا بهم واستصرخوا عليهم هذيلاً
ليعينوهم على قتلهم، فلم يرع القوم وهم في رحالهم إلا الرجال بأيديهم السيوف، فأخذ
عاصم ومن معه أسيافهم ليقاتلوا القوم، فقالوا: إنا والله لا نريد قتلكم، ولكم عهد
الله وميثاقه ألا نقتلكم، وقالوا ذلك لأنهم يريدون أن يسلموهم لكفار قريش، ويأخذوا
في مقابلتهم أجراً لعلمهم أنه لا شيء أحب إلى قريش من أن يأتوا بأحد من أصحاب محمد
a يمثلون
به ويقتلونه بمن قُتل منهم ببدر وأُحد، فأبوا أن يقبلوا منهم.
فأما مرثد وخالد بن البكير وعاصم بن ثابت فقالوا: والله لا نقبل
من مشرك عهداً، وقاتلوا حتى قُتلوا.
وأما زيد وخبيب وعبد الله بن طارق فلانوا ورقوا، فأعطوا بأيديهم
فأسروهم، ثم خرجوا بهم إلى مكة ليبيعوهم بها حتى إذا كانوا بالظهران انتزع عبد
الله بن طارق، ثم أخذ واستأخر عنه القوم فرموه بالحجارة حتى قتلوه، وأما خبيب بن
عدي وزيد بن عدي وزيد بن الدثنة فقدموا بهما مكة فباعوهما.
[1] ستة نفر في قول ابن
إسحاق، وفي رواية البخاري أنهم كانوا عشرة.
[2] وهو ماء لهُذَيلِ
بناحية الحجاز بين رَابِغ وجُدَّة.