وكان شراؤهما في ذي القعدة، فحبسوهما حتى خرجت الأشهر الحرام،
فقتلوا زيداً، وأما خبيب فقد مكث أسيراً حتى خرجت الأشهر الحرام ثم أجمعوا على
قتله.. ولما خرجوا به من الحرم ليقتلوه قال: ذروني أصلِّ ركعتين، فتركوه فصلى
ركعتين، ثم قال خبيب: لولا أن يقولوا جزعَ لزدت، وما أبالي على أي شِقَّي كان لله
مصرعي ثم قال:
وذلك في ذات الإله وإن يشأ يبارك
على أوصال شلو ممزع
ثم أخذ يدعو عليهم قائلا:(اللهم أحصهم عدداً وخذهم بدداً)، ثم
خرج به أبو سروعة بن الحارث فضربه فقتله
بئر مَعُونة:
أشار الحكيم إلى سيف آخر، وقال: لعل صاحبنا الفنان يشير بهذا
السيف إلى ما حصل في بئر معونة.. فإن كان يقصده، فهو من أكبر الأدلة على نجاعة
الأسلوب الذي اختار رسول الله a أن يتعامل به مع أولئك الأجلاف الغلاظ.
في ذلك الشهر نفسه الذي وقعت فيه مأساة الرَّجِيع وقعت مأساة
بئر مَعُونة.. وهي مأساة أشد وأفظع من الأولى.
وقد بدأت هذه المأساة عندما قدم أبا براء عامر بن مالك المدعو
بمُلاَعِب الأسِنَّة على رسول الله a المدينة، فدعاه إلى الإسلام، فلم يسلم، ولم يبعد، فقال : يا
رسول الله، لو بعثت أصحابك إلى أهل نَجْد يدعونهم إلى دينك لرجوت أن يجيبوهم،
فقال: (إني أخاف عليهم أهل نجد)، فقال أبو براء : أنا جَارٌ لهم، فبعث
معه نفرا كثيرا من أصحابه[1]، فساروا يحتطبون بالنهار، يشترون
به الطعام لأهل الصفة، ويتدارسون القرآن ويصلون بالليل، حتى نزلوا بئر معونة،
فنزلوا هناك، ثم بعثوا حرام بن مِلْحَان أخا أم سليم بكتاب رسول الله a إلى عامر بن
[1]كانوا أربعين رجلاً في
قول ابن إسحاق، وفي الصحيح أنهم كانوا سبعين.