قال دوج: ألا يحتمل أن تكون هذه الآية منسوخة بتلك الآية؟
قال الحكيم: القرآن كله محكم ﴿ لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ
مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾
(فصلت:42)
قال دوج: ولكن التعارض بينهما واضح.
قال الحكيم: التعارض واضح في الأذهان التي لم ترتق لتفهم أسرار
التعابير القرآنية.
فهاتان الآيتان تبينان أسلوبا من أساليب الحرب الدفاعية.
أما الآية التي ذكرتها، فتأمر بأن يبدأ المقاتلون بتحطيم قوة
عدوهم وكسر شوكتهم، فإذا أثخنوا في قتل أعداءهم حتى يكون عندهم خوف ورعب.. وحينذاك
ـ حين تنهار قوة العدو ـ يبدأ استعمال الأسلوب الثاني، وهو أسلوب الأسر، قال
تعالى:﴿ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ)(محمد:4)،
فالأسر يكون بعد الإثخان وليس معه أو قبله، فليس ثمت نهي عن الأسر، وإنما أمر أن
يكون الإثخان هو الأول، وبعده يأتي الأسر.
سكت الحكيم قليلا، ثم قال: سأذكر لك بعض مظاهر إنسانية التعامل
مع الأسير في الإسلام، ثم قارنها بما شئت.
فمن حقوق الأسير عدم إكراهه على ترك دينه، فلا يُكره على الدخول
في الإسلام، وإنما يُدعى إلى الإسلام بالتي هي أحسن، قال تعالى:﴿ يَا
أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ
اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ
وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (لأنفال:70)، ففي الآية استمالة للأسرى،
وتجديد الدعوة لهم، وفتح باب التوبة أمامهم، وترغيبهم بما يعوضهم عما دفعوا من
الفداء، ويعدهم إن هم دخلوا في الإسلام طائعين مختارين بالرزق الوفير في الدنيا
والآخرة والمغفرة لما سلف من ذنوبهم قبل الإيمان، وفي هذا دليل واضح على أنهم لا
يكرهون على الدخول في الإسلام.