إن من معاني قوله a: (لا تغلوا) هو وضع الأغلال في أيدي الأسارى، فقد نهت الشريعة
الإسلامية عن وضع الأغلال بأيدي الأسرت، وأمرت بتركهم أحرارا من دون تقييد أو
تحديد لحركتهم.
قال دوج: ولكن ما أمر به محمد من تقييده يتنافى مع هذا.
قال الحكيم: إن النبي a لم يقيد يديه بالأغلال ليعذبه
بذلك، وإنما وضعه في موضع يستطيع معه أن يرى المسلمين ورحمة المسلمين وإنسانية
المسلمين، ولو أنه رأى غير ذلك لما عاد بعد أن أطلق سراحه ليسلم، بل ويحسن إسلامه،
ويثبت في الوقت الذي ارتد فيه الناس على أعقابهم.
قال رجل من الجمع: واصل حديثك عن حقوق الأسير في الإسلام.
قال الحكيم: من حقوق الأسير التي نص عليها القرآن الكريم إعطاؤه
ما يكفيه من الطعام والشراب، كما قال تعالى:﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ
عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ
اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً﴾ (الانسان:8-9)، ففي هاتين الآيتين دليل على
أن إطعام الأسير قربة يتقرب بها المؤمن إلى ربه سبحانه وتعالى، وفيهما أن المؤمن
يؤثر الأسير حتى على نفسه، وفي قوله:﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى
حُبِّهِ ﴾ دليل على أنه لم يطعمه مما فضل من قوته، وإنما يطعمه من طيب
طعامه مع حاجته إليه ومحبته له.
ولذلك نص العلماء على أن منع الطعام عن الأسير من الكبائر، كما
يشير إلى ذلك قوله a:(عُذبتْ
إمرأة في هرة، سجنتها حتى ماتت، فدخلت فيها النار، لا هي أطعمتها ولا سقتها إذ
حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض)[1]
فلما كان الحبسُ مانعاً للمحبوس من التصرف في أمر معاشه وكسبه
وجب على حابسه