لا تقبله الأرض، فلما رأينا الأرض لا تقبله أخذنا برجليه
فألقيناه في بعض تلك الشعاب، فأنزل الله تعالى:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا
لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ
مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا
تَعْمَلُونَ خَبِيراً﴾ (النساء:94)
قال الحسن:(أما والله ما ذاك أن تكون الأرض تجن من هو شر منه
ولكن وعظ الله القوم أن لا يعودوا)[1]
سكت قليلا، ثم قال: لقد كان في إمكان كل تلك الدماء التي سفكت
أن لا تسفك لو أن أصحابها تخلوا عن غرورهم وكبرهم.. لقد رأيتم كيف سيق بنو قريظة
بعد خيانتهم إلى المقصلة برؤوس مرفوعة تكبرت عن مجرد الاعتذار عما بدر منها من
خيانة.
وقد رأيتم كيف عفا رسول الله a عن كل من ارتكب جرائم كبرى استحق
لأجلها أن يهدر دمه، ولكنه بمجرد اعتذاره عفي عنه، ومحيت كل ذنوبه، وصار واحدا من
أمته a..
نظر إلى دوج، وقال: هذا هو الوجه الأول من وجوه الرحمة..
أما الوجه الثاني، فتوجهت به تشريعات الإسلام لكل من لا ناقه له
في الحرب ولا جمل.. كالنساء والصبيان والشيخ الفانِي والأجير والعابد في صومعته
وغيرهم.. فهؤلاء وردت النصوص الشديدة بتحريم المساس بهم.
ففي الحديث: وُجِدت امرأة مقتولة في بعض مغازي رسول الله a، فنهى رسول الله a عن قتل النساء والصبيان[2].
وفي حديث آخر: كنَّا مع رسول الله a في غزوةٍ، فرأى النَّاس مجتمعين
على شيءٍ، فبعث رجلاً، فقال:(انظر علام اجتمع هؤلاء)، فجاء، فقال: على امرأةٍ
قتيلٍ. فقال: (ما كانت