قال: لقد نزل ببلادنا رجل من ورثة رسول الله a يقال له (بشر)[1].. وقد ملأ قلوبنا ـ بكلامه وسلوكه
ـ مهابة من الوقوع في الحرام والشبهات..
لقد دخل علي مرة هذا الدكان، فرآني أعرض السلع الحسنة، وأخفي
القبيحة، فذكرني بحديث لرسول الله a.. جعلته شعاري وديدني في تجارتي.
لقد ذكر لي أن رسول الله a مر برجل يبيع طعاماً فأعجبه،
فأدخل يده فيه، فرأى بللاً، فقال: ما هذا؟ قال: أصابته السماء، فقال a: (فهلا جعلته فوق الطعام حتى يراه
الناس).. ثم قال له هذه الكلمة التي هي شعاري، وشعار أهل هذا السوق جميعا: (من
غشنا فليس منا)[2]
لقد كان قوله (ليس منا) بديلا عن كل رادع.. فكل مسلم يخاف أن
يقول له رسول الله a
يوم القيامة إذا تعلق به: (لست مني)
وقد حدثني بشر ـ ذلك الوارث الورع الفاضل ـ أن النبي a لما بايع بعض الصحابة على الإسلام
ذهب لينصرف، فجذب ثوبه، واشترط عليه النصح لكل مسلم.
وأخبرني عن تأثير هذه الوصية في ذلك الصحابي، فذكر أنه كان إذا
قام إلى السلعة يبيعها بصر عيوبها للمشتتري، ثم خيره وقال: إن شئت فخذ، وإن شئت فاترك،
فقيل له: إنك إذا فعلت مثل هذا لم ينفذ لك بيع، فقال: (إنا بايعنا رسول الله a على النصح لكل مسلم)[3]
[1] أشير به إلى بشر بن الحارث الحافي، وهو من أشهر أئمة الورع،
ذكر صاحب المجالس أنه تاب على يد الإمام موسى الكاظم، ثم نقل قصة توبته من منهاج الكرامة،
وهي أن الإمام الكاظم اجتاز على داره ببغداد، فسمع الملاهي وأصوات الغناء والقصب تخرج
من تلك الدار، فخرجت جارية وبيدها قمامة البقل، فرمت بها في الدرب: فقال لها: يا جارية!
صاحب هذه الدار حر أم عبد؟ فقالت: بل حر فقال: صدقت، لو كان عبدا خاف من مولاه!. فلما دخلت قال مولاها وهو على مائدة السكر: ما أبطأك علينا؟
فقالت: حدثني رجل بكذا وكذا، فخرج حافيا حتى لقي مولانا الكاظم عليه السلام فتاب على
يده.