قال: لأن من تعلم من الأوراق كان تبعا لمن كتب الأوراق.. ولو
تعلم محمد a من
الأوراق لكان أحسن أحواله أن يحمل ثقافة الهند أو ثقافة الفرس أو ثقافة الإغريق..
ولوجد بعد ذلك من يقول بأن محمدا a تلقى علومه عن هؤلاء.
قلت: فأي ثقافة حمل محمد ما دام لم يحمل ثقافة هؤلاء؟
قال: لقد حمل ثقافة أرقى وأعظم تطورا..
قلت: لم أعرف التطور في ذلك الحين إلا في تلك الشعوب..
قال: إن ثقافة تلك الشعوب ثقافة بدائية بالنسبة لعصرنا..
والمتمسك بها في عرفنا رجعي.. وما كان للإنسان الكامل أن تكون له ثقافة تمحوها
الليالي، وتكر عليها الأيام.
قلت: فأي مصدر تعلم منه محمد إذن؟
قال: لقد تعلم من الله.. فالله هو مصدر المعرفة الأول.. ولذلك
فإن علومه لا يمكن مقارنتها بأي علوم أخرى.
لقد كانت أول بشارة تلقاها النبي a هي إخبار الله له بأنه سيتعلم من
الله.. لعلك تعرف الحادثة.. هي أول حادثة عرف فيها محمد a وحي ربه.
كان في الغار.. وجاءه الملاك.. وقال له: اقرأ.. ولم يكن محمد a يعرف القراءة، فأجاب الملك: ما أنا
بقارئ، فغطه[1] الملك حتى بلغ منه الجهد، ثم أرسله
فقال: اقرأ، فقال a: ما
أنا بقارئ.. وهكذا حتى غطه الثالثة، ثم أرسله، فقال:﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ
رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ
وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ
مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)﴾ (العلق)[2]
ثم ظل الوحي يتتابع..
[1] الغط: العصر الشديد، والكبس، ومنه الغط فى الماء، الغوص.
النهاية: 3/335.