في البداية خشي محمد a أن ينسى ما يعلمه ربه، فكان يتعامل مع الوحي معاملة الطالب
النجيب الذي يردد ما يتعلمه خشية أن ينساه، لكن الله طمأنه بأن الذي علمه وهو أمي
لم يقرأ ولم يكتب لن يعجزه أن يحفظ له ما تعلمه..
لقد قال الله تعالى يذكر ذلك:﴿ وَلا تَعْجَلْ
بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي
عِلْمًا ﴾ (طه: 114)، وقال:﴿ لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ
لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ (17) فَإِذَا
قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ
(19)﴾ (القيامة)
وبمثل هذا وردت الأسانيد، فعن ابن عباس قال: كان رسول الله a يعالج من التنزيل شدة، فكان يحرك
شفتيه، فأنزل الله عز وجل:﴿ لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ
إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ﴾ أي جمعه في صدرك، ثم تقرأه،
﴿ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ﴾ فاستمع له وأنصت،
﴿ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ﴾ فكان بعد ذلك إذا انطلق جبريل
قرأه كما أقرأه[1].
وفي رواية أخرى عن ابن عباس قال: كان رسول الله a إذا أنزل عليه الوحي يلقى منه شدة،
وكان إذا نزل عليه عرف في تحريكه شفتيه، يتلقى أوله ويحرك به شفتيه خشية أن ينسى
أوله قبل أن يفرغ من آخره، فأنزل الله:﴿ لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ
لِتَعْجَلَ بِهِ ﴾
وقال في الآية واصفا رسول الله a: (كان لا يفتر من القراءة مخافة أن
ينساه، فقال الله له:﴿ لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ
عَلَيْنَا ﴾ أن نجمعه لك ﴿ وَقُرْآنَهُ ﴾ أن نقرئك فلا تنسى)[2]
لقد نص على هذا الوعد الجليل في آية أخرى.. فالله تعالى يقول
مبشرا نبيه a:﴿
سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى﴾ (الأعلى:6)
قلت: أقر لك بكل ذلك.. ولكن العلوم التي تلقاها محمد هي علوم
الدين.. وهي علوم اختص بها رجال الدين.. ولا يمكن الحكم على مصداقيتها ما دمنا في
هذا العالم.