لقد وجد الأنصار حينها من الفرحة
والسعادة ما لم يجده كل أولئك الذين رجعوا بالإبل والشاء، ولكنهم لم يرجعوا برسول
الله في رحابهم.
إن لم تفهم هذا.. فسأذكر لك قصة حدث بها
بشر، الذي قال يحكي عن نفسه: مررت برجل، وقد ضرب ألف سوط في شرقية بغداد، ولم
يتكلم ثم حمل إلى الحبس، فتبعته فقلت له: لم ضربت؟ فقال: لأني عاشق، فقلت له: ولم
سكت؟ قال: (لأنّ معشوقي كان بحذائي ينظر إليَّ)، فقلت: فلو نظرت إلى المعشوق
الأكبر قال: فزعق زعقة خرّ ميتاً.
قلت: أترى أن هذا الموقف هو الذي يفسر ما
حصل لأصحاب محمد من ذلك الثبات العظيم الذي واجهوه؟
قال: لا يصلح مفسرا لذلك إلا هذا.. فمحمد
a ربط أصحابه المنتجبين بالله حبا
وتعظيما وإجلالا.. فصاروا روحانيين ربانيين لا هم لهم إلا ما يرضي ربهم.. ولهذا لم
يرغبهم في أي مطامع دنيوية، بل نهاهم عن السكون إليها حتى لا تكون حجابا بينهم
وبين الحقائق العظيمة التي يحملونها.
ولهذا، فإن المنتجبين من أصحابه a لم يتخلوا عنه في أحرج اللحظات،
بل ظلوا يفدونه بكل شيء.. بنفوسهم وأموالهم وكل ما يملكون.
قلت: سلمت لكل ما ذكرته لي.. ولكن ألا
يمكن أن يبقى جسدك في أهلك ومالك، ومع ذلك تظل مع الإمام بروحك وقلبك.. فتنعم
بالجنتين: جنة الروح، وجنة الجسد؟
نظر إلي، وقال: لقد حاولت في البدء ذلك..
لكن أمورا كثيرة حصلت جعلتني أختار الحياة التي أحياها الآن.
قلت: وما هي؟
قال: في البدء.. أردت أن ألتزم بيني وبين
نفسي.. وقد التزمت بالفعل.. وذقت من حلاوة الالتزام ما ذقت.. لكني وجدت المحيط
الذي أعيش فيه لا تزيده الأيام إلا بعدا عن