تقدم بي محمد المهدي إلى أعضاء الهيئة الدستورية، وقال: إن هذا
الرجل يريد أن يعرف علاقة الدستور النبوي بالدستور الذي تسير عليه هذه البلدة،
ويريد أن يرى مبلغ الإنسانية الذي تضمنه دستور النبوة.
قال رجل من الهيئة: نعم ما يطلبه هذا الرجل.. فليجلس.. وسنشرح
له ما استفدناه من دستور النبوة.
جلست، فقال الرجل: إن أول ما استفدناه من هذه الوثيقة المباركة
ما ورد في مادتها الثانية من أن سكان المدينة (أمة واحدة من دون الناس).. وهي بذلك
تشير إلى أن المسلمين جميعا مهاجريهم وأنصارهم ومن تبعهم، ممن لحق بهم وجاهد معهم
أمة واحدة، من دون الناس.
وهذا شيء جديد كل الجدّه في تاريخ الحياة السياسية في جزيرة
العرب، إذ نقل الرسول a
قومه من شعار القبلية، والتبعية لها إلى شعار الأمة، التي تضم كل من اعتنق الدين
الجديد، فقد قالت الصحيفة عنهم أنهم (أمة واحدة)، وقد جاء به القرآن الكريم تأييد
ذلك، قال تعالى:﴿ وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا
رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ﴾
(المؤمنون:52)
وبهذا الاسم الذي أطلق على جماعة من المسلمين والمؤمنين ومن
تبعهم من أهل المدينة، اندمج المسلمون على اختلاف قبائلهم في هذه الجماعة التي
ترتبط بينها برابطة الإسلام، فهم يتكافلون فيما بينهم، وهم ينصرون المظلوم على
الظالم، وهم يرعون حقوق القرابة، والمحبة، والجوار.
لقد انصهرت طائفتا الأوس والخزرج في جماعة الأنصار، ثم انصهر
الأنصار والمهاجرون في جماعة المسلمين، وأصبحوا أمة واحدة تربط أفرادها رابطة
العقيدة، وليس الدم، فيتحد شعورهم وتتحد أفكارهم وتتحد قبلتهم ووجهتهم، وولاؤهم
لله وليس للقبيلة،