كما أنه استقبل حديث أنيس، وهو يتحدث عن دوره وإجادته في تنفيذه
بنفس طيبة، فلم يتهمه النبي a وهو يعرض موقفه بنقص في إخلاصه لا سيما وأنه يدلي بهذا الحديث
أمام جمع من صحابته، ثم يبادر النبي a بتشجيعه وتحفيزه بقوله: (ما عليه أن يعمل بعد هذا عملا)[1]
قلت: يستطيع محمد أن يقول مثل هذا.. ولكن أنتم ما عساكم تقولون،
وأنتم لم تطلعوا على الغيب.
قال: لقد ترك لنا رسول الله a ثروة من النصوص المقدسة.. جعلناها
شعارا لنا في كل دوائرنا.. فنحن نشجع بواسطتها على إتقان الأعمال، باعتبار ذلك من
الجهاد في سبيل الله..
لقد أخبر a بأن أي حركة ـ مهما كانت بساطتها ـ ما دامت في سبيل الله فهي
خير من الدنيا وما فيها، قال a: (لغدوة في سبيل اللَّه أو روحة خير من الدنيا وما فيها)[2]، وقال a: ( رباط يوم في سبيل اللَّه خير من
الدنيا وما عليها، وموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها، والروحة
يروحها العبد في سبيل اللَّه تعالى أو الغدوة خير من الدنيا وما عليها)[3]
وأخبر a عن الجزاء المعد للمرابط في سبيل الله، فاعتبره لا يقل عن جزاء
الصائم القائم القانت الذي لا يقعد عن ذلك طيلة غياب المجاهد في سبيل الله، فقد
قيل لرسول الله a: يا
رَسُول اللَّهِ ما يعدل الجهاد في سبيل اللَّه؟ قال: (لا تستطيعونه)، فأعادوا عليه
مرتين أو ثلاثاً كل ذلك يقول: (لا تستطيعونه)، ثم قال: (مثل المجاهد في سبيل
اللَّه كمثل الصائم القائم
[1] هذا يعني الثناء على العمل، لا رفع التكليف كما يتوهم البعض،
فيتصور أن ثناء الله تعالى ورسوله على الصحابة يعني رفع التكليف عنهم.. بدليل أن
بعض من مدح ارتد على أعقابه، وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ
الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ
مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى
الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ} [الأعراف: 175، 176]