قال الرجل: لقد سبق لي أن ذكرت لك وجهة
النظر الصحيحة حولها.. وهي ليست وجهة نظري وحدي، بل هي وجهة نظر كل العلماء الفحول
العدول الذين سبقوني كابن خلدون.
قال البغدادي: دعنا من هذا، وأجبني عن
مسألة فقهية.. أم أنك لم تقرأ الفقه؟
قال الرجل: أنت تهينني بقولك هذا.. كيف
لم أقرأ الفقه، وقد ذكرت لك أني من عائلة كلهم أهل علم.. لقد حفظت المتون.. وسمعت
الشروح والحواشي والتقارير..
قال البغدادي: فأجبني إذن عن رجل وصف
للناس وصفات طبية خطيرة، ثم ظهر للناس بعد أن استعملوها خطرها وعدم جدواها.
قال الرجل: لقد نص الفقهاء على أن مثل
هذا متعد وظالم، وأنه يجب عليه الضمان..
قال البغدادي: أهذا رأيك أم رأي الفقهاء؟
قال الرجل: وأنا من الفقهاء.. وهو رأيهم
جميعا بلا خلاف.. لقد قال الخطابي يذكر الإجماع في المسألة: (لا أعلم خلافاً فى أن
المعالِج إذا تعدَّى، فتَلِفَ المريضُ كان ضامناً، والمتعاطى علماً أو عملاً لا
يعرفه متعد، فإذا تولَّد من فعله التلف ضمن الدية، وسقط عنه القَودُ، لأنه لا
يستبِدُّ بذلك بدون إذن المريض وجنايةُ المُتطبب فى قول عامة الفقهاء على
عاقِلَتِه)
وقال ابن القيم: (لقد نص الفقهاء على
إيجابُ الضمان على الطبيب الجاهل، فإذا تعاطى عِلمَ الطِّب وعمله، ولم يتقدم له
به معرفة، فقد هَجم بجهله على إتلافِ الأنفس، وأقْدَم بالتهوُّر على ما لم يعلمه،
فيكون قد غَرَّرَ بالعليل، فيلزمه الضمانُ لذلك، وهذا إجماع من أهل العلم)[1]
[1] للمسألة تفاصيل فقهية كثيرة ذكرناها في (ابتسامة الأنين)