تركناهم، وانصرفنا إلى جمع آخر كان يردد (لا إله إلا الله وحده
لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير)، ثم توقفوا ليقول أحدهم:
قال رسول الله a: (من
قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير في
يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة،
وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا
أحد عمل أكثر من ذلك)[1]
قال آخر، وقد فتح كتابا ينظر إليه: لقد اعتبر العارفون هذا
الذكر مفتاح التوكل على الله.. وقد عبر أبو حامد الغزالي عن سر ذلك، فقال: (اعلم
أن التوكل من باب الإيمان، وجميع أبواب الإيمان لا تنتظم إلا بعلم وحال وعمل،
والتوكل كذلك ينتظم من علم هو الأصل، وعمل هو الثمرة، وحال هو المراد باسم التوكل،
فلنبدأ ببيان العلم الذي هو الأصل وهو المسمى إيمانا في أصل اللسان، إذ الإيمان هو
التصديق، وكل تصديق بالقلب فهو علم، وإذا قوى سمى يقينا، ولكن أبواب اليقين كثيرة،
ونحن إنما نحتاج منها إلى ما نبنى عليه التوكل، وهو التوحيد الذى يترجمه قولك (لا
إله إلا الله وحده لا شريك له)، والإيمان بالقدرة التي يترجم عنها قولك (له
الملك)، والإيمان بالجود والحكمة الذي يدل عليه قولك (وله الحمد)، فمن قال (لا إله
إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شىء قدير) تم له الإيمان
الذي هو أصل التوكل، أعنى أن يصير معنى هذا القول وصفا لازما لقلبه، غالبا عليه)[2]
تركناهم، وانصرفنا إلى فئة أخرى كانت تردد بصوت جميل عذب (سبحان
الله وبحمده، سبحان الله العظيم)، ثم يحدثهم أحدهم بقول رسول الله a: (كلمتان خفيفتان على