قال: لقد حزنت على البشر التائه في صحراء نفسه، الغارق في أوحال
شهواته، المصلوب على خشبة أهوائه.
قلت: وما تملك أن تفعل أنت له؟
قال: لقد قلت لنفسي: إن الرحمن الرحيم الذي ما أنزل داء يرتبط بالطين
إلا أنزل له من الدواء ما يقاومه، لن يتخلى عن الروح التي هي الأصل.. فلذلك لن
يكون في الروح داء إلا وينزل الله من الأدوية ما يقاومه.
قلت: فماذا فعلت؟
قال: لقد قعد بي العجز عن معرفة الدواء.. فلذلك ظللت مدة في تلك
الأحزان إلى أن جاء اليوم الذي أرسل الله لي فيه رجلا لا أزال إلى الآن لا أعرف
كيف جاء، ولا كيف ذهب.
قلت: ما اسمه؟
قال: لم أكن أناديه إلا بـ (معلم الهداية)
قلت: معلم الهداية.. !؟
قال: أجل.. فلم يكن له حديث إلا عن الهداية.. وقد سألته أول ما زارني
عن أسرار الهداية التي تقضي على كل ضلال، فقال: سر في الأرض.. فلن ينال الهداية
ولا علوم الهداية إلا من سار في الأرض، وخبر البشر، وتعلم لغة الطير، وسلك مسالك
النحل، وسكن قرى النمل.
قلت: إن هذا الرجل يلغز ولا يهدي..
قال: أحيانا تلبس الهداية لباس الألغاز.. وتحتاج العبارة إلى ثوب
إشارة.