ومثل ذلك إن
رأى الغضب غالباً عليه ألزم نفسه الحلم والسكوت، بل سلط على نفسه من يصحبه ممن فيه
سوء خلق، ويلزمها خدمته حتى يمرن نفسه على الاحتمال معه.
وقد حكى عن
بعضهم في هذا أنه كان يعود نفسه الحلم ويزيل عن نفسه شدة الغضب، فكان يستأجر من
يشتمه على ملأ من الناس ويكلف نفسه الصبر، ويكظم غيظه حتى صار الحلم عادة له بحيث
كان يضرب به المثل.
وبعضهم كان
يستشعر في نفسه الجبن وضعف القلب فأراد أن يحصل لنفسه خلق الشجاعة فكان يركب البحر
في الشتاء عند اضطراب الأمواج.
قال رجل منا:
فجوهر ما ذكرته في هذا هو أن تعاقب النفس بمخالفة شهواتها.
قال: أجل..
فلا يمكن أن تستقيم النفس وهي ترعى في مراعي شهواتها..
حدث الجنيد
عن نفسه، قال: أرقت ليلة فقمت إلى وردي فلم أجد الحلاوة التي كنت أجدها، فأردت أن
أنام فلم أقدر، فجلست فلم أطق الجلوس، فخرجت فإذا رجل ملتف في عباءة مطروح على
الطريق، فلما أحس بي قال: يا أبا القاسم إلى الساعة، فقلت: يا سيدي من غير موعد؟
قال: بلى سألت الله عز وجل أن يحرك إلى قلبك، فقلت: قد فعل فما حاجتك؟ قال: فمتى
يصير داء النفس دواءها؟ فقلت: إذا خالفت النفس هواها، فأقبل على نفسه فقال: اسمعي
فقد أجبتك بهذا سبع مرات فأبيت أن تسمعيه إلا من الجنيد ها قد سمعتيه، ثم انصرف
وما عرفته.
وقال رجل
لعمر بن عبد العزيز: متى أتكلم؟ قال: إذا اشتهيت الصمت، قال: متى أصمت؟ قال: إذا
اشتهيت الكلام.
وقال علي: من
اشتاق إلى الجنة سلا عن الشهوات في الدنيا.
وكان مالك بن
دينار يطوف فإذا رأى الشيء يشتهيه قال لنفسه: اصبري فوالله ما