سرنا إلى القسم الثاني، وكان إمامه إمام من أئمة
التقوى والعرفان.. كان الجميع يطلقون عليه (أبو طالب المكي)[1] تشبيها له بذلك الولي الصالح الذي كتب في أحوال القلوب ومقاماتها
وأعمالها ما تزودت به الأجيال، وتربت عليه الرجال.
عندما دخلنا
عليه قال لنا: لا يمكنكم أن تكونوا مؤمنين صالحين ما لم تمتلئ قلوبكم بالحلم..
قلنا: ما
الحلم؟
قال: هو
الطّمأنينة عند سورة الغضب..
قلنا: ما
أصعب هذا.. فكيف يملك أحدنا غضبه، وقد ركب فيه تركيبا.. فلا يكاد ينفك عنه؟
قال: من لم
يملك جمرة غضبه أحرقته.. ألم تسمعوا بأن الغضب جمرة من النار؟
قلنا: لا..
كيف ذلك؟
قال[2]: لقد ذكر العارفون بالله مرشدو السالكين إلى طريق الله أن الغضب شعلة
نار اقتبست من نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة.. وذكروا أنها مستكنة في طي
الفؤاد استكنان الجمر تحت الرماد، وإنما يستخرجها الكبر الدفين في قلب كل جبار
عنيد، كاستخراج الحجر النار من الحديد.
وقد انكشف
للناظرين بنور اليقين، أن الإنسان ينزع منه عرق إلى الشيطان اللعين، فمن استفزته
نار الغضب فقد قويت فيه قرابة الشيطان حيث قال :﴿ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ
خَلَقْتَنِي مِنْ
[1]
أشير به إلى أبي طالب محمد بن علي بن عطية الحارثي المكي ( ت 386 هـ)، وهو واعظ
زاهد، فقيه من أهل الجبل (بين بغداد وواسط) نشأ واشتهر بمكة.. ورحل إلى البصرة
فاتهم بالاعتزال.. وسكن بغداد فوعظ فيها، فحفظ عنه الناس أقوالا هجروه من أجلها..
وتوفي ببغداد.. من كتبه (قوت القلوب)، وهو من أمهات كتب السلوك.