نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (12)﴾
(الأعراف)، ذلك أن شأن الطين السكون والوقار، وشأن النار التلظي والاستعار،
والحركة والاضطراب.
قلنا: وعينا
هذا.. فما موقد هذه النيران الحارقة لحقيقة الإنسان، المقربة له من جنس الشيطان؟
قال: لقد روي
في الأخبار أن نبي الله يحيى سأل المسيح - عليهما السلام -: أي شيء أشد؟ قال: غضب
الله، قال: فما يقرب من غضب الله؟ قال أن تغضب، قال: فما يبدي الغضب وما ينبته؟
قال عيسى: (الكبر والفخر والتعزز والحمية)
هذا ما أجاب
به المسيح.. وقد ذكر مرشدو السالكين بالإضافة إلى ذلك الزهو والعجب والمزاح والهزل
والهزء والتعيير والمماراة والمضادة والغدر وشدة الحرص على فضول المال والجاه، وهي
جميعا أخلاق رديئة مذمومة شرعاً.
قلنا: عرفنا
العلة.. فما علاجها؟
قال: من عرف
العلة سهل عليه علاجها.
قلنا: كيف
ذلك؟
قال: لقد ذكر
المرشدون أن العلل تداوى بأضدادها.. فالزهو يعالج بالتواضع.. والعجب يعالج بمعرفة
النفس.. والمزاح يعالج بالتشاغل بالمهمات الدينية التي تستوعب العمر وتفضل عنه.. والهزء
يعالج بالتكرم عن إيذاء الناس، وبصيانة النفس.. والتعيير يعالج بالحذر عن القول
القبيح وصيانة النفس عن مر الجواب.. وشدة الحرص تعالج بالقناعة بقدر الضرورة طلباً
لعز الاستغناء وترفعاً عن ذل الحاجة.
وكل خلق من
هذه الأخلاق وصفة من هذه الصفات يفتقر في علاجه إلى رياضة وتحمل مشقة، وحاصل
رياضتها يرجع إلى معرفة غوائلها لترغب النفس عنها وتنفر عن قبحها، ثم المواظبة على
مباشرة أضدادها مدة مديدة حتى تصير بالعادة مألوفة هينة على