قال: هو حياء ممتزج من محبّة وخوف، ومشاهدة عدم صلاح
عبوديّته لمعبوده، وأنّ قدره أعلى وأجلّ منها. فعبوديّته له توجب استحياءه منه لا
محالة.
قلنا: فما
حياء الشّرف والعزّة؟
قال: هو حياء
النّفس العظيمة الكبيرة إذا صدر منها ما هو دون قدرها من بذل أو عطاء أو إحسان،
فإنّه يستحيي مع بذله حياء شرف نفس وعزّة.
قلنا: فما
حياء المرء من نفسه؟
قال: هو حياء
النّفوس الشّريفة العزيزة الرّفيعة من رضاها لنفسها بالنّقص، وقناعتها بالدّون،
فيجد نفسه مستحييا من نفسه، حتّى كأنّ له نفسين، يستحيي بإحداهما من الأخرى، وهذا
أكمل ما يكون من الحياء. فإنّ العبد إذا استحيى من نفسه فهو بأن يستحيي من غيره
أجدر.
قلنا: وعينا
هذا.. فعلمنا السبيل الذي يجعل للحياء محلا في سلوكنا.
قال: أولها
معرفة الله ومحبته.. فمن عرف الله وأحبه لابد أن يسري إليه من الحياء ما يملؤه
أدبا.. وقد روي في الحديث عن رسول الله a
: (إنّ ربّكم حييّ كريم يستحيي من عبده إذا رفع يديه إليه يدعوه أن يردّهما صفرا،
ليس فيهما شيء)[1]
وعن أشجّ عبد
القيس أنّه قال: قال لي رسول اللّه a: (إنّ فيك خلّتين
يحبّهما اللّه- عزّ وجلّ-)، قلت: ما هما؟ قال: (الحلم والحياء)، قلت: أقديما كان
فيّ أم حديثا؟ قال: (بل قديما)، قلت: (الحمد للّه الّذي جبلني على خلّتين يحبّهما)[2]
قلنا: وعينا
هذا.. فحدثنا عن سبيل آخر.
قال: محبة
رسول الله a.. فرسول الله a
هو معدن الأدب وإكسيره، وهو شمس
[1]
رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجه والبيهقي في الدعوات، والحاكم وصححه على شرط
الشيخين وأقره الذهبي.
[2]
رواه أحمد واللفظ له، وابن ماحه، وأصل حديث أشج عبد القيس رواه البخاري ومسلم من
حديث ابن عباس.