قبيح عن قصد، ولا يتوجّه إليها ذمّ باستحقاق[1].. أو هي قوّة للنّفس تكون مبدأ لصدور الأفعال الجميلة عنها المستتبعة
للمدح شرعا وعقلا[2].. أو هي آداب نفسانيّة، تحمل مراعاتها الإنسان على الوقوف عند محاسن الأخلاق
وجميل العادات.
قلنا: فما سر
شرفها؟
قال قيس: هي
شريفة لأنها الصفة التي يفارق بها الإنسان الحيوان البهيم، والشّيطان الرّجيم..
ذلك أن في النّفس ثلاثة دواع متجاذبة: داع يدعوها إلى الاتّصاف بأخلاق الشّيطان،
من الكبر، والحسد والعلوّ والبغي، والشّرّ والأذى، والفساد والغشّ.. وداع يدعوها
إلى أخلاق الحيوان، وهو داعي الشّهوة.. وداع يدعوها إلى أخلاق الملك، من الإحسان،
والنّصح، والبرّ، والطّاعة، والعلم.
والمروءة لا
تكون إلا ببغض الدّاعيين الأوّلين وإجابة الدّاعي الثّالث.. ولهذا قيل في حدّها: (إنّها
غلبة العقل للشّهوة)، ونقل عن الفقهاء قولهم: (حدّ المروءة: استعمال ما يجمّل
العبد ويزينه، وترك ما يدنّسه ويشينه، سواء تعلّق ذلك به وحده أو تعدّاه إلى غيره)[3]
قلنا: إن هذا
يجعل المروءة تدخل كل باب، وتقتحم حرم كل لطيفة.
قال قيس: أجل..
ولذلك ذكروا أن مروءة كلّ شيء بحسبه: فمروءة اللّسان: حلاوته وطيبه ولينه.. ومروءة
الخلق: سعته وبسطه للحبيب والبغيض.. ومروءة المال: الإصابة ببذله مواقعه المحمودة
عقلا وعرفا وشرعا.. ومروءة الجاه: بذله للمحتاج إليه.. ومروءة الإحسان والبذل:
تعجيله وتيسيره، وتوفيره وعدم رؤيته حال وقوعه، ونسيانه بعد وقوعه..
قلنا: وعينا
هذا.. فحدثنا عن درجات المروءة، فلا نحسب أن الناس متساوين فيها.