responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : أسرار الإنسان نویسنده : أبو لحية، نور الدين    جلد : 1  صفحه : 271

قلت: فهو غير ملوم إذن بسبب ذلك؟

قال: اللوم ليس في ممارسة ما يتطلبه طينه من ممارسات.. ولكن اللوم على غرقه في أوحال الطين.. ألا ترى أننا لا نلوم من مشى في الأوحال إن اضطر إلى ذلك، ولكننا نلوم بشدة من راح يسبح فيها؟

قلت: فكيف يسبح الإنسان في الأوحال؟

قال: إذا أحب الأوحال، وأنس لها، ولم ير في الحياة غيرها، أو لم ير الحياة غيرها.

قلت: فكيف يتخلص من غرقه؟

قال: إن عاش الحياة دون أن يتدنس بأوحالها.

قلت: هل يمكن أن يحصل ذلك؟.. هل يمكن لمن يذوق الحلاوة أن لا تأسره في سجونها؟

قال: يمكن ذلك.. وقد رأيت من علم هذا السر ما علمت به أن للإنسان قدرة عالية على رفع همته عن جميع الأكوان، لا عن الأرض وحدها..

قلت: فحدثني عن ذلك.

قال: بعد أن من الله علي، فتعلمت من أسرار الحزم والشدة ما كنت قد ذكرته لك، سرت في تلك المدينة العجيبة التي فتح الله لي فيها من علوم الإنسان ما كان منغلقا.. فرأيت جمعا من الناس يتسابون بكل ما في ألسنتهم من بذاءة، وبكل ما في قلوبهم من وقاحة.. ثم لم يلبث السباب أن تحول إلى الخناجر، فراحت الدماء تسيل.. وكانت دماء كثيرة.

ثم جاءت الشرطة، وساقت من تشاء إلى سجونها ومعتقلاتها.. وجاء معها الممرضون والأطباء، فحملوا تلك الجثث المشوهة، وكأنهم يحملون أكواما من الطين.

أثر في ذلك المشهد تأثيرا كبيرا.. فقد رأيت الإنسان فيه لا يختلف عما أراه من بعوض وذباب وخنافس..

في ظلال تلك الآلام قيض الله لي من علمني أسرار التثاقل، وأسرار الترفع عنها.

نام کتاب : أسرار الإنسان نویسنده : أبو لحية، نور الدين    جلد : 1  صفحه : 271
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست