قال هارون: هو
الكلام في المعاصي كحكاية أحوال النساء ومجالس الخمر ومقامات الفساق وتنعم
الأغنياء وتجبر الملوك ومراسمهم المذمومة وأحوالهم المكروهة، فإن كل ذلك مما لا
يحل الخوض فيه وهو حرام.
وأنواع
الباطل لا يمكن حصرها لكثرتها وتفننها، فلذلك لا مخلص منها إلا بالاقتصار على ما
يعني من مهمات الدين والدنيا.
وفي هذا
الجنس تقع كلمات يهلك بها صاحبها وهو يستحقرها، فقد قال رسول الله a:
(إنّ أحدكم ليتكّلم بالكلمة من رضوان اللّه ما يظنّ أن تبلغ ما بلغت فيكتب اللّه-
عزّ وجلّ- له بها رضوانه إلى يوم القيامة، وإنّ أحدكم ليتكلّم بالكلمة من سخط
اللّه ما يظنّ أن تبلغ ما بلغت فيكتب اللّه- عزّ وجلّ- عليه بها سخطه إلى يوم
يلقاه)[1]
وقال a
: (إن الرجل ليتكم بالكلمة يضحك بها جلسائه يهوي بها أبعد من الثريا)[2]
وقال: (أعظم
الناس خطايا يوم القيامة أكثرهم خوضاً في الباطل)[3]
وإلى هذا
الإشارة بقوله تعالى حكاية عن أهل جهنم :﴿ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ
الْخَائِضِينَ (45)﴾ (المدثر)، وقوله :﴿ وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ
فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكَفَرُ بِهَا
وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ
غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ
وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (140)﴾ (النساء)
وعلى هذا
اتفق جميع الصالحين، فقد قال بعضهم: أكثر الناس ذنوباً يوم القيامة أكثرهم كلاماً
في معصية الله.. وقال آخر: كان رجل من الأنصار يمر بمجلس لهم
[1]
رواه ابن ماجه والترمذي في الزهد، وابن حبان وإسناده حسن.