قال: الإرادة
هي انبعاث القلب إلى ما يراه موافقاً للغرض إما في الحال أو في المآل، فقد خلق
الإنسان بحيث يوافقه بعض الأمور ويلائم غرضه، ويخالفه بعض الأمور، فيحتاج إلى جلب
الملائم الموافق إلى نفسه ودفع الضار المنافي عن نفسه.. فافتقر لذلك إلى معرفة الشيء
المضر والنافع حتى يجلب هذا ويهرب من هذا، فإن من لا يبصر الغذاء ولا يعرفه لا
يمكنه أن يتناوله.. ثم لو أبصر الغذاء وعرف أنه موافق له فلا يكفيه ذلك لنتناول ما
لم يكن فيه ميل إليه ورغبة فيه وشهوة باعثة عليه، فخلق الله تعالى له الميل
والرغبة والإرادة.. ثم ذلك لا يكفيه، فخلقت له القدرة والأعضاء المتحركة حتى يتم
به التناول.
قلت: فالقدرة
– بحسب تحليلك هذا- خادمة للإرادة،
والإرادة تابعة لحكم الاعتقاد والمعرفة.
قال: أجل..
قلت: فالنية -
إذن- هي تلك الصفة المتوسطة التي هي الإرادة أو انبعاث النفس بحكم الرغبة والميل
إلى ما وافق الغرض إما في الحال وإما في المآل.
قال: أجل.. فالمحرك
الأول هو الغرض المطلوب وهو الباعث، والغرض الباعث هو المقصد المنوي، والانبعاث هو
القصد والنية، وانتهاض القدرة لخدمة الإرادة بتحريك الأعضاء هو العمل.
قلت: فما
علاقة الإخلاص بكل هذا؟
قال: إن
انتهاض القدرة للعمل قد يكون بباعث واحد، وقد يكون بباعثين اجتمعا في فعل واحد..
وإذا كان بباعثين فقد يكون كل واحد بحيث لو انفرد لكان كافيا لإنهاض القدرة.. وقد
يكون كل واحد قاصراً عنه إلا بالاجتماع؟ وقد يكون أحدهما كافياً لولا الآخر لكن
الآخر انتهض عاضداً له ومعاوناً.