الصلاة وعادة في الصدقات، فاتفق أن حضر في وقتها
جماعة من الناس، فصار الفعل أخف عليه بسبب مشاهدتهم، وعلم من نفسه أنه لو كان
منفرداً خالياً لم يفتر عن عمله، وعلم أن عمله لو لم يكن طاعة لم يكن مجرد الرياء
يحمله عليه، فهو شوب تطرق إلى النية.
قلت: فالباعث
– بهذه القسمة- إما أن يكون رفيقاً أو
شريكاً أو معيناً؟
قال أجل.
قلت: فما
الإخلاص العالي من بينها؟
قال: هو الذي
لا يلاحظ صاحبه غير مولاه، كما لا يلاحظ من خاف السبع إلا السبع.. لقد قال بعض
الصالحين يشير إلى هذا: (لا يتحقق الإخلاص حتى يسقط من عين الناس، ويسقط الناس من
عينه)، وقال آخر: (ما دام العبد يراقب الناس ويهابهم لا يتحقق إخلاصه أبداً)، وقال
آخر: (لا تجتمع مراقبة الحق مع مراقبة الخلق أبداً، إذ محال أن تشهده وتشهد معه
سواه)
وعلى هذا
اتفق جميع أولياء الله.. فقد قال أحدهم: (الإخلاص فقد رؤية الإخلاص، فإن من شاهد
في إخلاصه الإخلاص فقد احتاج إخلاصه إلى إخلاص)، وقال آخر: (الإخلاص أن يكون سكون
العبد وحركاته لله تعالى خاصة)، وقيل له: أي شيء أشد على النفس؟ فقال: (الإخلاص إذ
ليس لها فيه نصيب)، وقال آخر: (الإخلاص صدق النية مع الله تعالى)، وقال آخر: (الإخلاص
في العمل هو أن لا يريد صاحبه عليه عوضاً في الدارين)، وقال آخر: (الإخلاص نسيان
رؤية الخلق بدوام النظر إلى الخالق فقط)، وقال آخر: (الإخلاص هو إخراج الخلق عن
معاملة الرب)، وقال آخر: (الإخلاص تصفية العمل من الكدورات)، وقال آخر: (ترك العمل
من أجل الناس رياء، والعمل من أجل الناس شرك، والإخلاص بأن يعافيك الله منهما)
بل هذا ما
وردت به النصوص المقدسة، فالله تعالى يقول:﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ
رَبِّهِ