العارف يعبده لذاته فلا يطلب إلا ذاته فقط، فأما
الحور العين والفواكه فقد لا يشتهيها، وأما النار فقد لا يتقيها. إذ نار الفراق
إذا استولت ربما غلبت النار المحرقة للأجسام، فإن نار الفراق نار الله الموقدة
التي تطلع على الأفئدة، ونار جهنم لا شغل لها إلا مع الأجسام، وألم الأجسام يستحقر
مع ألم الفؤاد)
وقالوا:
وفي فؤاد المحبِّ نار جوى أحرّ نار الجحيم
أبردُها
وقيل لرابعة
العدوية:( كيف رغبتك في الجنة؟)، فقالت:( الجار ثم الدار)
وهي في هذا
تردد ما رددته امرأة فرعون من قبلها عندما قالت:﴿ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ
بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ ﴾ (التحريم:11) فقدمت الجار قبل الدار.
قلت: أيمكن
هذا.. أيمكن أن يصل الإخلاص بصاحبه إلى هذه الدرجة؟
قال: إنما
يصل إلى هذه الدرجة المحبون الذي شغلهم محبوبهم عن كل شغل.. إن حال هؤلاء كحال العاشق
المستهتر بمعشوقه المستوفي همه بالنظر إلى وجهه والفكر فيه، فإنه في حال الاستغراق
غافل عن نفسه لا يحس بما يصيبه في بدنه، لم يبق في قلبه متسع لغير محبوبه حتى
يلتفت إليه لا نفسه ولا غير نفسه.
لقد أشار
الله تعالى إلى هذا عندما ذكر النسوة في قصة يوسف، فقال :﴿ فَلَمَّا
سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً
وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ
فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ
لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (31)﴾ (يوسف)
قلت: وعيت
هذا.. وبورك لأولياء الله ما فتح الله عليهم من معرفته ومحبته.. فحدثنا عني وعن
الظالمين لأنفسهم من أمثالي.