قال: النية ما ذكرت لك من انبعاث النفس وتوجهها
وميلها إلى ما ظهر لها أن فيه غرضها إما عاجلاً وإما آجلاً.. وإنما تنبعث النفس
إلى الفعل إجابة للغرض الباعث الموافق للنفس الملائم لها، وما لم يعتقد الإنسان أن
غرضه منوط بفعل من الأفعال فلا يتوجه نحوه قصده.
وذلك مما لا
يقدر على اعتقاده في كل حين، وإذا اعتقد فإنما يتوجه القلب إذا كان فارغاً غير
مصروف عنه شاغل أقوى منه، وذلك لا يمكن في كل وقت، والدواعي والصوارف لها أسباب
كثيرة بها تجتمع، ويختلف ذلك بالأشخاص وبالأحوال وبالأعمال.
ولهذا امتنع
جماعة من الصالحين من جملة من الطاعات إذ لم تحضرهم النية، وكانوا يقولون: ليس
تحضرنا فيه نية.. ونادى بعضهم امرأته وكان يسرح شعره أن هات المدري، فقالت: أجيء
بالمرآة؟ فسكت ساعة، ثم قال: نعم، فقيل له في ذلك، فقال: كان لي في المدري نية ولم
تحضرني في المرآة نية فتوقفت حتى هيأها الله تعالى.. وكان أحدهم إذا سئل عملاً من
أعمال البر يقول: إن رزقني الله تعالى نية فعلت..
وكانوا لا
يرون أن يعملوا عملاً إلا بنية لعلمهم بأن النية روح العمل وأن العمل بغير نية
صادقة رياء وتكلف وهو سبب مقت لا سبب قرب، وعلموا أن النية ليست هي قول القائل
بلسانه: نويت، بل هو انبعاث القلب يجري مجرى الفتوح من الله تعالى، فقد تتيسر في
بعض الأوقات وقد تتعذر في بعضها.
***
ما وصل موسى
من حديثه معي إلى هذا الموضع حتى رأيت سلما من نور لم أكن أراه من قبل، فقلت من
غير أن أشعر: ما أجمل هذا السلم.. وما أبهاه.. وما أعظم نوره!