اللّه تعالى به ملكا آخر يسدده، ويؤيده ويقويه بجنود
لم تروها. وأمر هذا الجند بقتال جند الشهوة. فتارة يضعف هذا الجند وتارة يقوى.
وذلك بحسب إمداد اللّه تعالى عبده بالتأييد، كما أن نور الهداية أيضا يختلف في
الخلق اختلافا لا ينحصر.
قلت: فالصراع
القائم إذن موجود بين شهوات الإنسان التي تطلبها نفسه الأمارة وجند الله الذي أيد
به.
قال: أجل..
وقد أطلق الصالحون على هذه الصفة التي بها فارق الإنسان البهائم في قمع الشهوات
وقهرها باعثا دينيا.. وأطلقوا على مطالبة الشهوات بمقتضياتها باعث الهوى.
قلت: فالصبر إذن
هو ثبات باعث الدين في مقابلة باعث الهوى.
قال: أجل.. فإن
اختار الإنسان تأييد باعث الدين حتى يقهر باعث الهوى واستمر على مخالفة الشهوة،
فقد نصر حزب اللّه، والتحق بالصابرين.. وإن تخاذل وضعف حتى غلبته الشهوة ولم يصبر
في دفعها، التحق باتباع الشياطين.
قلت: وعيت
هذا.. فكيف كان الصبر نصف الإيمان، كما أخبر رسول الله a؟
قال: إذا كان
الإيمان هو التصديقات والأعمال جميعا، فإن للإيمان ركنان: اليقين، والصبر.. أما اليقين،
فهو المعارف القطعية الحاصلة بهداية الله تعالى .. وأما الصبر، فهو العمل بمقتضى
اليقين.
قلت: هلا
وضحت لي هذا.
قال: اليقين
يعرف المؤمن أن المعصية ضارة، والطاعة نافعة.. ولا يمكن ترك المعصية والمواظبة على
الطاعة إلا بالصبر، وهو استعمال باعث الدين في قهر باعث الهوى والكسل. فيكون الصبر
نصف الإيمان بهذا الاعتبار.
قلت: وعيت
هذا.. فإن أريد بالإيمان الأحوال المثمرة للأعمال لا على المعارف.
قال: عند ذلك
ينقسم جميع ما يلاقيه العبد إلى ما ينفعه في الدنيا والآخرة، أو يضره