الصبر.. وهذا صبر الصديقين المقربين، الذين لازموا
الطريق المستقيم، واستووا على الصراط القويم، واطمأنت نفوسهم على مقتضى باعث
الدين. وإياهم ينادى المنادى: ﴿يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ
(27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي
(29) وَادْخُلِي جَنَّتِي﴾ [الفجر: 27 - 30]
قلت: وعيت
هذا.. فما الحال الثانية؟
قال: أن تغلب
دواعي الهوى، وتسقط بالكلية منازعة باعث الدين، فيسلم نفسه إلى جند الشياطين، ولا
يجاهد ليأسه من المجاهدة. وهؤلاء هم الغافلون الذين استرقتهم شهواتهم، وغلبت عليهم
شقوتهم، فحكموا أعداء اللّه في قلوبهم التي هي سر من أسرار اللّه تعالى ..وهؤلاء
هم الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة، فخسرت صفقتهم وقيل لمن قصد إرشادهم: ﴿فَأَعْرِضْ
عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا
(29) ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ
ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى ﴾ [النجم: 29، 30]
قلت: فما
علامة من هذا حاله؟
قال: صاحب
هذه الحالة إذا وعظ قال: أنا مشتاق إلى التوبة ولكنها قد تعذرت علىّ، فلست أطمع
فيها.. أو يقول: إن اللّه غفور رحيم كريم، فلا حاجة به إلى توبتي.. وهذا المسكين
قد صار عقله رقيقا لشهوته، فلا يستعمل عقله إلا في استنباط دقائق الحيل التي بها
يتوصل إلى قضاء شهوته. فقد صار عقله في يد شهواته كمسلم أسير في أيدي الكفار، فهم
يستسخرونه في رعاية الخنازير، وحفظ الخمور وحملها، ومحله عند اللّه تعالى محل من
يقهر مسلما ويسلمه إلى الكفار، ويجعله أسيرا عندهم.
قلت: وعيت
هذا.. فما الحال الثانية؟
قال: أن يكون
الحرب سجالا بين الجندين، فتارة له اليد عليها، وتارة لها عليه.. وأهل هذه الحالة
هم الذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا، عسى اللّه أن يتوب عليهم.