قلت: وعيت هذا، فما الأعمال التي تثمرها
هذه الأحوال؟
قال: لقد عبر الشاعر عن ذلك وأحسن، فقال:
أفادتكم النعماء مني ثلاثة
يدي ولساني والضمير المحجبا
وقد قيل للجنيد ـ وهو ابن سبع سنين ـ: يا غلام ما الشكر؟ فقال: (أن
لا يعصى الله بنعمه)
قلت: ما يعني هذا؟
قال: من فرح بشيء فرحا استولى على كيانه، فإنه لا محالة سيتحرك بموجب
ما يهديه إليه فرحه.. فمن فرح بمركوب ركبه، ومن فرح بمأكول أكله.. ومن فرح بشيء
ارتبط به.
وهكذا فرح من رأى نعم الله عليه، فإنه لا محالة يستعملها.. ولكن
الفرق بين استعماله لها واستعمال غيره هو أنه يستعملها في طاعة مولاه الذي أهداها
له.. فلا يحق لمن أهديت له هدية أن يستعملها في مضادة من أهداها له.
قلت: فاضرب لي أمثلة على ذلك.
قال: شكر القلب ـ مثلا ـ وهو تصور النعمة، والاعتراف بها للمنعم،
والعزم على طاعته، وفي ذلك يقول رسول الله a:(عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن
أصابته سراء شكر، فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيرا له)[1]
وشكر اللسان ـ مثلا ـ هو الثناء على المنعم بفضله، ومما يروى في ذلك أن
رسول الله a صلى صلاة الصبح بالحديبية في إثر سماءٍ
كانت من الليل، فلما انصرف أقبل على الناس، فقال: