ومما لا
أزال أذكره من ذلك الدرس قوله[1]: الحكمة في أن الله تعالى ذكر هذه الألفاظ الثلاثة لا أزيد ولا أنقص،
وهو قوله :﴿ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ ﴾ هي أنه قد
ثبت في العلوم العقلية أن الإنسان فيه أربعة قوى: قوة شهوانية بهيمية، وقوة غضبية
سبعية، وقوة وهمية شيطانية، وقوة عقلية ملكية.
وعلم كذلك
بالضرورة أن المقصود من جميع العبادات قهر القوى الثلاثة: الشهوانية، والغضبية،
والوهمية.
ففي قوله :﴿
فَلاَ رَفَثَ ﴾ إشارة إلى قهر الشهوانية..
وفي قوله :﴿
وَلاَ فُسُوقَ ﴾ إشارة إلى قهر القوة الغضبية التي توجب التمرد والغضب.
وفي قوله :﴿
وَلاَ جِدَالَ ﴾ إشارة إلى القوة الوهمية التي تحمل الإنسان على الجدال في
ذات الله وأفعاله، وأحكامه، وأسمائه، وهي الباعثة للإنسان على منازعة الناس
ومماراتهم، والمخاصمة معهم في كل شيء، وقد أشار الله تعالى إلى هذه القوة في
قوله:﴿.. وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا (54)﴾
(الكهف)
وقد وردت
النصوص الكثيرة تأمر بتهذيب هذه القوة الداعية إلى الجدل، وتعد بالوعد الجزيل من
استطاع التحكم فيها، وتتوعد بالوعيد الخطير من ركن لها، فراحت تتحكم فيه.
ففي الوعد ورد قوله a
: (من ترك المراء وهو مبطل بني له بيت في ربض الجنة، ومن تركه وهو محق بني له في
وسطها، ومن حسن خلقه بني له في أعلاها)[2]
وقال: (أنا زعيم
ببيت في ربض الجنة، وببيت في وسط الجنة وببيت في أعلى الجنة