قال الجيلاني:
البرهان هو أن يعرف وجه فساد قياسه.. وأن قوله: (الدنيا نقد والآخرة نسيئة) مقدمة
صحيحة وأما قوله: (النقد خير من النسيئة)، فهو محل التلبيس.. فليس الأمر كما اعتقد..
بل إن كان النقد مثل النسيئة في المقدار والمقصود فهو خير.. وإن كان أقل منها، فالنسيئة
خير منه.. ومعلوم أن الآخرة أبدية، والدنيا غير أبدية.. وأما قوله: (ولذات الدنيا
يقين ولذات الآخرة شك) فهو أيضا باطل.. بل ذلك يقين عند المؤمنين..
وليقينه
مدركان: أحدهما الإيمان والتصديق على وجه التقليد للأنبياء والعلماء كما يقلد
الطبيب الحاذق في الدواء.. والمدرك الثاني: الوحى للأنبياء والإلهام للأولياء..
قال الرجل:
عرفنا النوع الأول من غرور الكفار.. فما النوع الثاني؟
قال الجيلاني:
هو الغرور بالله تعالى.. وقد حكاه الله عن الصاحب الكافر في سورة الكهف عندما قال
:﴿ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا (35) وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ
قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا
مُنْقَلَبًا (36)﴾ (الكهف)
قال الرجل: فما
سبب هذا الغرور؟
قال الجيلاني:
سببه قياس من أقيسة إبليس الفاسدة.. ذلك أنهم ينظرون مرة إلى نعم الله تعالى عليهم
في الدنيا، فيقيسون عليها نعم الآخرة.. ومرة ينظرون إلى تأخير عذاب الله عنهم في
الدنيا فيقيسون عذاب الآخرة كما أخبر الله تعالى عنهم، فقال :﴿ وَيَقُولُونَ
فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ
جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ (8)﴾ (المجادلة).. ومرة
ينظرون إلى المؤمنين وهم فقراء، فيزدرونهم ويقولون :﴿ أَهَؤُلَاءِ مَنَّ
اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ